بعدما خبت نيران الجولة الأخيرة في #غزة بين الإسرائيليين وحركة “#الجهاد الإسلامي” اللصيقة بطهران، يمكن القول إن التمهل كان سيّد الموقف بالنسبة الى جميع الأطراف، لا سيما منها تلك المسمّاة “محور الممانعة” الذي تقوده ايران. فـ”#حزب الله” الذي يهدد بحرب إقليمية في أيلول المقبل على خلفية النزاع حول ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، اكتفى بالموقف الإعلامي والخطابي مردداً عبر قياداته وإعلامه شعارات مستقاة من أدبيات خمسينات القرن الماضي. لكن تجربة حركة “الجهاد الإسلامي” في الجولة الأخيرة يمكن ان تفيد “حزب الله” المعتدّ بقوته الفائقة على مستوى دراسة الظروف التي تسمح بشن حرب، أو التي لا تسمح بها. ففي الجولة الأخيرة في غزة، تُركت حركة “الجهاد الاسلامي” وحدها في الساحة تواجه الإسرائيليين لان الظرف لم يكن في مصلحة دعمها لردٍّ اقوى على اغتيال قادتها الرئيسيين. وقد تبين هذا الامر من خلال موقف حركة “حماس” التي نأت بنفسها عن الاجندة الإيرانية التي تمثّلها بشكل أعمق حركة “الجهاد الإسلامي”، وبقيت خلالها في المقعد الخلفي، وأعطت إشارة ولو خجولة الى انها يمكنها ان تبلور موقفا عقلانيا يفترق في لحظة ما عن الاجندة الإيرانية. هذا التقييم أوّلي، ولا يعني بالضرورة ان “حماس” متفلتة من التأثير الإيراني. ولذلك لا بد من التريث لمراقبة سلوك “حماس”، ومدى المسافة التي يمكن ان تأخذها حقيقة عن الاجندة الإيرانية. فالتماهي مع “حزب الله” أمر سلبي للغاية. ووعود الحزب لـ”حماس” بتسليمها مخيمات #لبنان في سياق سياسة الجزرة التي تمارسها ايران لاجتذاب الفصيل الممسك بورقة غزة، هي مجرد طعم مسموم يهدف الى إعادة تشغيل الورقة الفلسطينية.
يزعم فريق “حزب الله” ان الأخير يعدّ العدة لاشعال حرب في أيلول “دفاعا عن حقوق لبنان النفطية والغازية في البحر”. في المقابل، يقول المنطق ان قرار الحرب والسلم ليس بيد “حزب الله” ولا بيد قيادته العليا. انه قرار مركزي في ايران. فإن اتُّخذ يكون بمثابة اشعال حرب إقليمية لن تقتصر على لبنان وإسرائيل فحسب، بل ستمتد الى مناطق ابعد. صحيح ان الحزب التابع لإيران على ارض لبنان يمتلك ترسانة صواريخ مؤذية جدا لإسرائيل، لكن الصحيح أيضا ان تبعية الحزب المذكور تجعله ورقة لا أكثر في ملعب الأطراف الكبار. والضرر إنْ وقع فسيقع على اللبنانيين الذين يعرّضهم طرف خارج على القانون والشرعية في لبنان. عندما يعلن قائد “الحرس الثوري” في ايران ان “حزب الله” يعدّ العدة لانهاء إسرائيل في الوقت المناسب، فإنه لا يسهم بتقوية حزبه اللبناني، بل انه يعزز القناعة بتبعيته، ويزيد عزلته اللبنانية التي تتوسع، وبالتأكيد ينزع منه صفة “المقاومة” المزعومة، ويرسخ فيه صفة التنظيم العامل لمصالح جهات خارجية. وهذا يعني ما يعنيه.
لقد أظهرت جولة غزة الأخيرة ان حرب الشعارات لا يمكنها ان تجلب الانتصارات الحقيقية. تماما مثل الانتصارات التي قيل انها تحققت في لبنان، فقد اقتصرت على تحقيق انتصارات على اللبنانيين. أما إسرائيل فهي تنعم منذ 2006 بهدنة افضل بأشواط من هدنة الجمهورية الأولى سنة 1949، ولا تقلّ رسوخا عن هدنة حافظ الأسد لسنة 1974 والتي ورثها نجله ويحافظ عليها برموش العين!
علي حمادة – النهار