بالوثائق: يمّين – باسيل – ميقاتي: جزيرة نفط.. للتهريب إلى سوريا؟

اللبنانيون على موعد مع بناء جزيرة من نوع آخر، جزيرة نفط لتطوير تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا…

هكذا يراكم العهد العوني “الارتكابات” في آخر أيّامه، مُحاولاً تمرير الصفقات الكبرى، وآخرها مرسوم جمهوري صدر في شباط الماضي يشرّع إنشاء “جزيرة نفطيّة” في عرض البحر المواجه لكسروان، جزيرة “عاشت” من أيّام التسوية الرئاسية، وصولاً، وعبرت حكومة حسّان دياب، لتصل إلى “توقيع الرئيس نجيب ميقاتي” إلى جانب توقيع غريب لوزير البيئة ناصر ياسين، المحسوب على المجتمع المدني، ورئيس الجمهورية طبعاً، ميشال عون.

المفاجىء كان أنّ المرسوم المنشور في 17 شباط الماضي بالجريدة الرسمية، تمّ إقراره في مجلس الوزراء في أيّار 2018، أيّ في عهد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري. لكن انتظر المرسوم التنفيذي حتّى شباط 2022، ليحظى بتوقيع مُيسّر من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي يختلف مع بعبدا في التشكيل، ويوافقها في تمرير الصفقات الكبرى.

تحاول “أوساط حكومية” أن تفضّ يدها من الصفقة في حديث لـ”أساس”، وتتذرّع بأنّ القرار صادر عن مجلس الوزراء في 21 أيّار 2018 (مرفق أدناه) وتؤكد لـ”أساس” أنّ الحكم استمرارية”، باعتبار أنّ القرار متّخذ في 2018. وانطلاقاً من أن الحكم استمرارية، صدر مرسوم تنفيذي لهذا القرار ووقّعه الرئيس ميقاتي.
وردّاً على سؤال حول “الأضرار البيئية” تجيب الأوساط: “الصرخة خرجت بعد صدور القرار، قبلها كانت كلّ الوزارات والإدارات المعنية والبلدية قد وافقت عليه”. وتسأل مصادر على صلة وثيقة بالقرار: “هل المطلوب من الرئيس ميقاتي أن يوقف كل ما قرّره غيره”.

لكن هل قامت حكومة ميقاتي بتوقيع كلّ قرارات الحكومات السابقة بحجة استمرارية الحكم؟ أم أن هذه الاستمرارية تشمل قرارات دون غيرها؟

ما قصّة هذه الجزيرة؟

بالعودة إلى الجزيرة النفطية، ما لها وما عليها، فهي بإدارة آل يمّين، أوسكار وإخوانه، ويعود ريعها لشريكهم غير المعلن، “رئيس التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، بحسب المحامي جوزيف أبو فاضل. على أن تباشر شركتهم، “لكويغاز” تنفيذ الأشغال في الأملاك البحرية العامّة خلال أيام.

في التفاصيل التي خصّ بها أبو فاضل موقع “أساس”، فإنّ المشروع يتألّف من منصّة نفطيّة لتخزين النفط والمشتقّات النفطيّة تقع ضمن الأملاك العامّة البحرية في العقار رقم 877 في منطقة ذوق مكايل العقارية، وتبلغ مساحتها 11 ألف متر على البرّ، وما يقارب 40 كلم مربّعاً من الردم في عرض البحر، تبعد عن الشاطئ حوالى 200 متر.

إلى جانب أنّ هذه الجزيرة “تُشوه” كامل المنطقة السياحيّة على الشاطئ الممتدّ من ضبيّة إلى جونيه، وتؤثر سلباً على المنتجعات السياحية في المنطقة (نادي اليخوتATCL ، الحمّام العسكري، البورتيميليو، السوليمار، السمايا، الرمال، سوار، ريزيدانس سورمير، هوليداي بيتش). )مرفق خريطة بتفاصيل الموقع(، فإنّها تتقابل مع عقار تملكه البطريركية المارونية ورهبان اللويزة، تتعدّى مساحته 55 ألف مترمربع . الأمر الذي دفع ببكركي إلى معارضة هذا المشروع. والمنطقة مصنّفة أصلاً تحت فئة “صناعة F3″، أمّا الصناعة النفطية فتُصنّف في خانة “صناعة F1″ وهو ما يعني أنّ المشروع قابل للطعن في مشروعيته القانونية من الأساس.

يؤكد هذا الكلام المدير العام السابق في وزارة الطاقة والمياه، غسان بيضون. وهو يستغرب في حديثه لـ”أساس” التجرّؤ على ما أسماه “تهريب عطاء سخي كهذا في الوقت الضائع”، أي في أشهر العهد الأخيرة، و”السخاء” لأنّ لبنان بات قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وتحوّله إلى دولة نفطية. فكانت أوّل “جزيرة نفطية” من نصيب آل يمّين، أصدقاء باسيل وشركائه.

 

تطوير التهريب إلى سوريا

أما الهدف من المشروع فهو إنشاء جزيرة وسط البحر، لتغذية السوق السوري بالمحروقات المهرّبة على حساب خزينة الدولة اللبنانية.

يشرح أبو فاضل هذه النقطة بمعلومات يقول إنّها مؤكّدة: “هذا يًشكل تحايلاً على عقوبات قيصر، ويخلق جزيرة تدرّ الأموال والأرباح الخياليّة على باسيل، فكلّ مخزون سوريا من الغاز والبنزين والمازوت يأتي من لبنان عبر صهاريج لكويغاز/ كورال، وبتسهيل من وزارة الطاقة، وحماية سياسية من باسيل”، منبهاً إلى أنّ “وزارة الطاقة أخذت من مصرف لبنان في تموز 2021 وحده ثمن فيول ومحروقات بقيمة 820 مليون دولار ولم يكن لدينا لا كهرباء ولا مازوت ولا بنزين، لا في تموز ولا في آب ولا في أيلول”.

الأخطر في القضية برأي أبو فاضل أنّ هذه الجزيرة تُعَدّ لتصير “محطة تكرير”، ويُتوقّع أن تتمدّد من مساحة 40 إلى 200 كيلومتر مربّع، ضاربةً كلّ الشاطئ. وبحسب المعلومات، ستكون باباً للتهرّب من العقوبات على سوريا، بما يُعرّض لبنان للعقوبات أيضاً: “تأتي البواخر لتكرِّر حمولتها على الجزيرة، ثمّ تحمّل المحروقات وتقوم بإطفاء جهاز الـGPS وتذهب عبر الطريق البحري إلى طرطوس بسوريا”. هكذا يتمّ توفير الوقت والمال والجهد، واستبدال حركة الصهاريج على الخطّ البحري، التي يراها كلّ عابر على الطريق بين بيروت والشمال. وهذه ستتحوّل إلى أرباح سياسية، ومالية، لتحالف يمّين – باسيل.

ينبّه بيضون، بناءً على التجارب السابقة، بحسب قوله، إلى خطورة عدم وجود رقابة جدّية وفاعلة على الإشغال الفعلي للمساحات المرخّص بها، لافتاً إلى ما يمكن أن ينطوي عليه المرسوم من “قطب مخفية” يمكن أن تسمح بالتوسّع في تفسير مضمونه وفي استثمار هذه الجزيرة لقاء مبلغ زهيد، في وقت تعاني خزينة الدولة من شحّ الإيرادات، وبعد سنوات من المطالبة بضبط المخالفات الواقعة على الأملاك البحرية والنهرية، لقاء مبلغ زهيد قدره 252 مليون و198 ألف ليرة لبنانية يتجدّد سنوياً وتلقائياً: “كأنّه تهريب مخالفة تشكّل خطراً كبيراً على البيئة والسياحة في ساحل كسروان”.

أيضاً يستغرب بيضون كيف وقّع وزيرا الأشغال والبيئة على “كارثة مثل هذه تفوح منها رائحة المحاصصة والمحاباة والاستهتار بالمصلحة العامة، مع إمكانية استمرار الاستثمار لسنوات طويلة من دون مراجعة البدل. وهذا ما درجت عليه الحال في التجارب المماثلة”.

 

ما هي تفاصيل المرسوم؟

المرسوم رقم 8789 هو تعديل لمرسوم إشغال أملاك عامّة بحرية رقمه 8119 تجاه العقار رقم 877 في منطقة ذوق مكايل العقارية (قضاء كسروان الفتوح، محافظة كسروان الفتوح). هو الذي مهّد الطريق “لـهذه الفضيحة” (مرفق أدناه). وقّعه رئيس الجمهورية في بعبدا بتاريخ 11 شباط 2022، وعليه توايقع كلّ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وزير الأشغال العامة والنقل علي حميّة، وزير البيئة ناصر ياسين، ووزير المال يوسف خليل، ونُشِر في الجريدة الرسمية في العدد 8 – تاريخ 17 شباط 2022.

يرخِّص المرسوم لشركة لكويغاز ش.م.ل لإشغال واستثمار مساحة 38,164 متراً مربّعاً من الأملاك العامّة البحريّة المتاخمة للعقار رقم 877 من منطقة ذوق مكايل العقاريّة، منها 11,464 متراً مربّعاً أملاكاً بحرية عامّة مردومة و26,700 متر مربّع سطحاً مائياً، على أن تباشر الشركة المرخّص لها تنفيذ الأشغال خلال 6 أشهر من تاريخ صدور المرسوم.


ماذا يقول وزير البيئة؟

سريعاً برزت حساسية المجتمع المدني المُدافع عن البيئة. قدّم “التحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة في الصناعات الاستخراجية” شكوى أمام وزير البيئة، الذي وقّع على المشروع. هذا على الرغم من أنّ ياسين هو بمثابة “وديعة” من المجتمع المدني في هذه الحكومة.

ردّاً على سؤال “أساس” تشرح مصادر وزارة البيئة موقف الوزير بالقول إنّ “الموضوع لعام 2018، حين وافق مجلس الوزراء في القرار رقم 44 (21 أيّار 2018) على تعديل مرسوم الإشغال الذي يعود أصلا للعام 1976، لكن لم يصدر المرسوم المعدل إلا في شباط 2022 عن وزارة الأشغال”. ويضيف: “المرسوم واضح من جهة دور وزارة البيئة الأساسي في إخضاع المشروع لدراسة الاثر البيئي وإعداد خطة الإدارة البيئية وتعهد أصحاب المشروع باحترام أي ضوابط بيئية تطلبها وزارة البيئة. وهذا ما باشر به أصحاب المشروع حسب المرسوم رقم 8633/2019، الذي يحدد أصول تقييم الأثر البيئي للمشاريع العامة والخاصة، وتتابع وزارة البيئة تطبيق هذه الإجراءات كما ينص القانون”.

وتختم المصارد الرسمية بالقول: “من ناحية الرسوم المالية، فالموضوع تمت مناقشته عدّة مرات مع وزارة الأشغال العامة والنقل، الوصية المباشرة عليه، والتي تعمل مع وزارة المالية على تعديل الرسوم بأضعاف، آخذين بعين الإعتبار تدنّي قيمة الليرة اللبنانية”.

أما عن “جزيرة التكرير” و”التهريب إلى سوريا”، فتفضّل المصادر ربط هذا الجانب “بالحدود وضبطها”، باعتبار أنّ هذه خارج مسؤولية وزارة البيئة.

 

اعتراض الجمعيات البيئية

في المقابل اعترض “التحالف” على “إنشاء منصة لتعبئة النفط مقابل العقار 877 ذوق مكايل”، وأكّد أنّ “الشركة لم تقدّم تقرير الأثر البيئي المبدئي ولا أيّ مستندات تبرز حجم المشروع أو آثاره على البيئة أو خطة الإدارة البيئية، وبالتالي لم تحترم المرسوم 8633 الصادر في 7/8/2012 والمُتعلق بأصول تقييم الأثر البيئي”. وسلّطت الضوء على “الآثار السلبية الكبيرة للمشروع على الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية، خصوصاً أنّ أنشطة الردم والتجريف ستتجاوز مساحة 30 ألف متر مربع وتمثّل شكلاً من أسوأ أشكال التلوّث، بالإضافة إلى أضرار المشروع الاقتصادية والاجتماعية على المنطقة المجاورة التي تعجّ بالمنتجعات السياحية. إذ سيخلق المشروع ازدحاماً كبيراً بسبب دخول وخروج مئات الصهاريج المحمّلة بالموادّ النفطية”.


التحالف الذي ولد في أيلول 2020 للمساعدة “على بناء القدرات المدنية ودعم الشفافية في القطاع العام”، تقدم بالشكوى بعد الدعوة التي وجّهها رئيس بلدية ذوق مكايل الياس البعينو للمشاركة في لقاء كان يفترض أن تعرض خلاله شركة “لكويغاز”، مع شركة “مورز” (ش.م.م) المتخصّصة في الاستشارات البيئية، دراسة الأثر البيئي المتعلّق بالمشروع، وذلك في 5 تموز 2022 في مبنى القصر البلدي. لكنّ الشركة لم تعرض الأثر البيئي خلال اللقاء، وفق ما أكّد التحالف، ما دفعها إلى وضع إشارات استفهام كبيرة حول الأضرار التي يمكن أن يتسبّب بها المشروع في المنطقة.

 

تواطؤ بلدية ذوق مكايل

يكشف أبو فاضل، الذي يتابع الملفّ، أن “لا كلمة لرئيس البلدية الحالي في الموضوع، فالبلدية بَصَمت للمشروع من قبل، واتّفقت على عائداتها مع رئيس البلدية السابق نهاد نوفل، وهو محامي “لكويغاز”، عندما كان رئيساً للبلدية ورئيساً لاتحاد بلديات كسروان الفتوح. كما يحاول آل يمّين كمّ الأفواه في المنطقة بأيّ طريقة، ومن مظاهر ذلك ما حدث مع المؤتمر الصحافي الذي دعا إليه التحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة في الصناعات الاستخراجية تحت عنوان (لا لمنصّة التلوّث) رفضاً لتدمير شاطئ ذوق مكايل وتحويله إلى منصة بترولية، في تاريخ 20/7/2022 في صالة كنيسة سيّدة المعونات ذوق مكايل. إذ فوجئ المجتمعون يومها بأن أقفل الخوري صالون الكنيسة بوجههم، ما اضطرّهم إلى الاجتماع أمام الكنيسة لا داخلها”.

إذاً، المنطقة مقبلة خلال أيام على كارثة بيئية سياحية تدرّ الأموال على يمّين وصديقه باسيل، والأشهر الستة في المرسوم تنتهي في آب، ولا يمكن وقف العمل إلا بمرسوم ثانٍ من الرئيس الحالي أو الرئيس المقبل، أو عبر قانون يصدره مجلس النواب لحماية شاطىء كسروان وواجهتها السياحية، وحماية لبنان من العقوبات. كما تلفت مصادر إدارية إلى أنّ “المجلس الأعلى للتنظيم المدني ووزارة الداخلية يمكنهما طلب وقف العمل في هذا المشروع، كما يمكن أن تطلب البلدية المعنية وقف تنفيذ القرار”.

تقرير أخفته وزارة الطاقة: مَنْ أهدر مياهاً بـ3 مليارات$؟

فهل يمكن إيقاف كارتيلات النفط التي تغتني على حساب اللبنانيين، وإنقاذ شاطئ نموذجيّ ذاع صيته قبل معمل الذوق الحراري، واليوم هو مقبل على النهاية السوداء بتوقيع عوني-ميقاتي؟

[pdf-embedder url=”https://www.lebanesepolitico.com/wp-content/uploads/2022/08/Lockdown-1253.pdf” title=”Lockdown 1253″]

نهلا ناصر الدين – أساس ميديا