من المستحيل بالنسبة الى المراقب اللبناني ان يتجاهل ما يحصل في العراق. فالازمات التي تعصف بكلا البلدين متشابهة الى حد معيّن. كلاهما يعاني من سطوة السيطرة الإيرانية على البلاد. وكلاهما يعاني من وحشية الفساد المستشري الذي يمارسه طاقم سياسي يمسك بمقاليد السلطة اقله على المستوى البلدي. وكلاهما عرضة لنزاعات إقليمية لا تنتهي بين مشاريع متضاربة. وأخيرا وليس آخرا كلاهما يعاني الامرّين من أزمات اقتصادية، ومالية ومعيشية مهولة تدفع بشباب البلدين الى اختيار المنفى ارضاً بديلة من الوطن. صحيح ان العراق بلد غنيّ بموارده النفطية، لكنه تعرّض لأفدح عملية سطو شاملة على ثروات البلاد، جعلت من هذا البلد الواسع الموارد ارضاً قاحلة بكل المقاييس. لكن لبنان لا تنقصه آثام الطاقم الحاكم الذي نهب اموال الناس، وسخّر الدولة ومؤسساتها لاقامة نظام محاصصة، وزبائنية. لا بل انه اقام نظام نهب شامل بالتكافل والتضامن مع ثلة من رجال الاعمال من كل صنف، معطوفاً عليه نظام المافيا الميليشيوية الذي رعاه ونمّاه الفصيل المحلي المنتمي الى “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”. ولا ننسى نظام الجريمة المنظمة بكل وجوهها، من الإرهاب عبر الاغتيالات والغزوات، الى المخدرات بأبشع الصنوف، وصولا الى شن الحروب بالوكالة عن قوة خارجية.
إنها عيّنة عن أوجه الشبه بين البلدين الخاضعين لما هو أبشع بنظرنا: الطائفية والمذهبية المقيتة التي منعت وتمنع حتى يومنا هذا مجرد التفكير باحتمال قيام بلد.
لا بد من مراقبة ما يحصل في العراق. ففي الوجه الذي يعنينا نحن كلبنانيين، ثمة مخاطر من اندلاع حرب أهلية بين أبناء المشروع الأساسي الواحد. الصراع بين “التيار الصدري” من جهة، و”الاطار التنسيقي” الذي يمثل الذراع السياسية لميليشيات “الحشد الشعبي” التابعة لـ”فيلق القدس” الإيراني، هو صراع بين “اخوة” الصف الواحد. وبصرف النظر عما يطرحه السيد مقتدى الصدر زعيم “التيار الصدري” المنتفض بحسب ادبيات الانتفاضة على الفساد والفاسدين، والتبعية (النفوذ الإيراني) والاحتلال (الوجود الأميركي)، فإن الطرفين هما أبناء الصف الواحد. والخلاف قد لا يكون اكثر من خلاف على السلطة. فلا شيء يؤكد ان انتفاضة “التيار الصدري” هي انتفاضة حقيقية ضد النفوذ الإيراني الذي يعتبره ملايين العراقيين (ربما الأكثرية الساحقة منهم) مسؤولا عن نهب البلاد، واغراقها في ظلام التخلف والعوز، فضلا عن الهيمنة التي تحاصر الشعور الوطني القومي والعربي العراقي. لا شيء يدل على ان الحرب الاهلية التي تلوح في افق هذه المواجهة السياسية الجماهيرية تصب في مصلحة تحرير العراق من الاحتلال المقنَّع، واكاد أقول الاحتلال الفعلي الذي يمارسه المشروع الإيراني على بلد يفوق عدد سكانه الأربعين مليون نسمة.
في مطلق الأحوال، ان ما يحصل في العراق يؤشر الى فشل المشروع الإيراني في دولة الجوار الأهم بالنسبة الى طهران. هذا الفشل نابع من حقيقة مفادها ان المشروع افتقر ويفتقر الى جاذبية “المثل والمثال”. فايران كدولة، ومؤسسات، واقتصاد، وتنمية، ونمط حياة ليست مثالا يحتذى. ولا تمثل في عيون الجيل الجديد، اللهم ما عدا المؤدلجين المغرر بهم في مدارس الفصائل في لبنان والعراق، أي امل بحياة افضل. انها مدارس الحروب الدائمة، والصراعات التي لا تنتهي. من هنا وحدة الحال بين مأساتَي العراق ولبنان وقاسمهما المشترك جرائم الحكام والاحتلال معا.
علي حمادة – النهار