أما وقد بدأت “حمّى الاجتهادات” الدستورية تنهال على رؤوسنا بما يصح ولا يصح مما كنا نخشى وقوعه في “آخرة” هذا العهد الواعد بعدم تفويت ثانية واحدة من دون الإمعان في تعميق الانهيارات التي تسبب بها للبنان على كل الصعد، فترانا مرغمين بسرعة على الذهاب الى آخر المطاف المنذر به هذا اللهو القاتل على أيدي مدمني الانتحار. أن يستخفّ طرف “مسيحي” حاكم، هكذا بالتسمية الطائفية المباشرة وبالعربي الصريح، هذه المرة بأي ابتداع لنظريات أو تفسيرات أو اجتهادات من نوع الهرطقات التي تسوّغ لرئيس الجمهورية (الماروني) إطالة إقامته الانقلابية في قصر بعبدا ولو لثانية واحدة أو لإقامة طقوس انقلابية أخرى بزعم ملء الفراغ الذي سيتسبّب به هو وفريقه الممانع المسيطر على البلاد بقوة السلاح غير الشرعي والارتباط الولائي للخارج الإيراني وتوابعه…
أن يستخفّ هذا الطرف أو أي طرف آخر قد تأخذه “غيرة الدين” بنزعة طائفية عصبية سقيمة ومتهوّرة الى تحدّي جوهر اتفاق الطائف والدستور المنبثق عنه وانتهاكه بصرعات دستورية مزعومة لملء الفراغ “المرجّح” أو الذي يهوّلون على اللبنانيين بأنه الخيار الأكثر احتمالاً من الآن… فمعنى ذلك أن “المسيحيين” في لبنان سيكونون هذه المرة، ككتلة سياسية – طائفية ولا نقول أبداً كشركاء أساسيين ومؤسّسين تاريخيين متجذّرين بهذا الوطن “الأبدي”، أمام الضربة القاتلة وطنياً وربما دستورياً وسياسياً، بحيث لن ينفع بعد ذلك ندم ولا حتى انتحار!
تبدّلت أزمان اللهو العبثي بتداعياتها الحربية المدمّرة داخل البيئة المسيحية وحدها كما حصل في “حرب الإلغاء” التي دفع فيها المسيحيون أفدح الأثمان الدامية والمدمّرة لإبرام اتفاق الطائف. تبدّل زمن الثمانينيات وجنونه كما تبدّل زمن القهر المتمادي للجمهورية كلها على يد “حزب الله” وحليفه المسيحي لإيصال الزعيم العوني الى بعبدا على ركام الفراغ واللعب بالنظام وقهر كل ما له صلة بانتظام دستوري حضاري لا قيامة للبنان من دونه.
في التجربة الآتية المقبلة على لبنان بدءاً من نهاية هذا الشهر، وحدهم ذوو عمى البصيرة وأصحاب جنون الرعونة الأنانية القاتلة لا يبصرون من الآن معنى أن يغامر فريق مسيحي “حاكم” شكلاً باستقوائه بمحور التبعية لإيران والنظام الأسدي وكل مشتقات هذا المحور الظلامي وأن يتلاعب مجدّداً بالدستور والنظام والأصول ويمتطي مجدّداً هوايته القاتلة في تسخير جنون انقلابي ليحكم مصالحه الذاتية المقززة.
إن إشهار ميزان القوى الحقيقي في لبنان، إن تمادى أيّ فريق مسيحي في جنون الغطرسة، يمكن أن يرتدّ بأوخم العواقب على المسيحيين إن هم تخلوا عن دور جوهري أساسي لهم هو أن يتسمّروا كحرّاس أساسيين للنظام والدستور ويمنعوا أيّ أحد من المغامرة بهم في المتاهة الأخيرة التي ستأتي حتماً عليهم بأشد تداعيات السيناريوات السلبية الخطيرة وربما الساحقة هذه المرة.
لا يحتمل لبنان اليوم خطرين يتنافسان سواء بسواء: خطر أي مغامرة حربية مع إسرائيل على غرار ما يجري اللعب به على حافة ضفاف الهاوية في مسألة ترسيم الحدود والتنقيب عن الغاز والنفط. وخطر التسبّب بفراغ دستوري أقله على يد العهد وفريقه وأيّ طرف “مسيحي” تحديداً وحصراً. كلاهما سيؤدّي الى فتح أبواب النهاية النهائية ولن نكرّر التعبير الجحيمي الممجوج والمبتذل الذي بات من مآثر هذا العهد المشؤوم. إذا أردتم التفكير طائفياً فهاكم النتيجة سلفاً في جمهورية الفقر المنزوعة النظام والدولة والأمن.. والناس أيضاً!
نبيل بومنصف – النهار