أسوأ المرشحين لرئاسة الجمهورية

كل مرشّح للرئاسة لا يملك إلا المطالبة بتطبيق القانون، وحسب، يجب استبعاده من السباق الرئاسي.

منذ اقتراب المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية، تضجّ الساحة السياسية بخطابات تحدّد مواصفات الرئيس المقبل وتتبارى في تحديد المعايير الواجب اعتمادها لتصنيف المرشحين، بين مقبول وغير مقبول.

مبادرة وليد جنبلاط تجاه “حزب الله” جاءت في هذا السياق، فاستهدفت تضييق المسافات بين القوى الرئيسية في البلاد لفتح الطريق أمام انتخاب رئيس وسطي، لا يكون مرتهنا لمحور واحد كما الرئيس ميشال عون.

لم يخلُ أيّ خطاب للبطريرك بشارة الراعي في الأشهر والأسابيع الأخيرة من تحديد مواصفات رئيس الجمهورية المقبل، حتى يأتي رئيس حيادي ونزيه “ينتشل لبنان من القعر الذي أوصلته إليه الجماعة السّياسية”. وهكذا فعل المطران الياس عودة مشجّعا على اختيار “رئيس قريب من شعبه، يعي هموم الشعب، ويتبنى أحلامه”، متخليا عن ذاته وأنانيته ومصالحه الخاصّة.

في نقاش خاصّ، بعيد عن الإعلام، حدّد الرئيس فؤاد السنيورة خمس مواصفات تتعلّق بالمزايا الشخصية للرئيس العتيد، فطالب برئيس للجمهورية يمتلك الرؤيا والإرادة، والشجاعة والصدق وروح القيادة.

كلّ هذه المواصفات جيّدة ومقبولة وهي تنطلق من التجربة المريرة التي عاشها لبنان خلال السنوات الستّ المنصرمة. لكنها كلّها، تقريبا، مقاييس مطلقة لا تتعلّق بالمكان والزمان، وهي تصلح لمعركة الرئاسة المقبلة، كما تصلح للمعارك الرئاسية السابقة والمستقبلية. ومن الأجدى والأفضل وضع المقاييس في إطارها الزمني والموضوعي الراهن فيصبح السؤال هو أي رئيس أفضل للبنان في الظروف اللبنانية الراهنة، في زمن الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي غير المسبوق، ومن هو الرئيس القادر على المبادرة ضمن صلاحياته الدستورية لوقف الانهيار وبدء إنقاذ لبنان من الذي وصل إليه.

يجب أن يكون الرئيس المقبل قادرا على المبادرة والحركة ليواكب مع شركائه في الحكم أكبر وأخطر جدول أعمال للحكم اللبناني منذ تأسيس الكيان. فالعهد المقبل لن يواجه موجبات الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي والمصرفي والاجتماعي فحسب، بل سيكون أمام مسؤولية إعادة تكوين المؤسّسات، وإعادة الحياة إلى الخدمات والمرافق. عليه إعادة خلق النظام المصرفي من جديد، وإعادة توليد النظام النقدي والليرة اللبنانية، لأن كل مقوّمات النظام اللبناني تعرّضت للدمار الشامل وسقطت مثل سقوط إهراءات القمح في مرفأ بيروت.
ليس ضروريا أن يكون الرئيس المقبل متخصّصا في المال والاقتصاد، لكنه يجب أن يملك الرؤية البعيدة لطريقة إدارة الدولة بكل مرافقها، وأن يفهم الأزمة الراهنة بكل أعماقها ويملك تصوّرا لكيفية الخروج منها. وأسوأ الرؤساء، بدون منازع، هم أولئك الذين يعتبرون القوانين المرعية كاملة وشاملة وتنطوي على الحلول المطلوبة ويكفي وضع المسألة بين يدي قاض “مدعوم” ورجل أمن مقدام لمعاقبة المخالفين واجتثاث المشكلة من جذورها، فيعيش لبنان وشعبه في نعيم.

جاء الرئيس فؤاد شهاب من قيادة الجيش، لكنه تخلّى عن إغراءات القوّة وعن معادلة القاضي والضابط، فأعاد تنظيم الجمهورية اللبنانية بكل مؤسّساتها وفتح أمام الدولة والمجتمع طريق المستقبل.

بعكس الرئيس شهاب، نأى الرئيسان اميل لحّود وميشال عون بنفسيهما عن معالجة المشاكل المطروحة بجذورها البعيدة ولم يسعيا إلى تطوير البلاد عن طريق تطوير البنى القائمة. اكتفيا بخطاب عام يهاجم الفساد، ويحثّ القضاء على معاقبة من يخالف القانون، وكأن دورهما يقف عند هذا الحدّ. وهما لم يتورّعا عن استعمال هذا الشعار لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، دون استبعاد تقاسم المنافع والنفوذ مع باقي أطراف السلطة عندما تقضي المصلحة السياسية بذلك، كما جرى في العهد الحالي على وجه الخصوص.

يمكن القول إن الفجوة بين خطاب الرئيس شهاب وخطاب الرئيسين لحّود وعون هي فجوة ثقافية. الأخيران لا يعرفان آليات الدولة الحديثة وليس لديهما فكرة حول إدارة الاقتصاد والمرافق والمؤسّسات في الدول المتقدّمة، وحاولا ردم الفجوة بالحديث المملّ عن القانون وتطبيق القانون.

أسوأ مرشّح لرئاسة الجمهورية هو رئيس بدون ثقافة وبدون رؤيا، يكتفي بالاختباء وراء شعار تطبيق القانون، ويؤنّب القضاة كل يوم لأنهم لا يسجنون الفاسدين. فليخرج الرئيس من مخبئه خلف الشعارات الرنانة، وينتقل إلى الخلق والمبادرة والإقدام، البلاد لم تعد تحتمل حكم الهواة.

 

غسان العياش – النهار