بين المطران وطهران

كل الضجيج المتصاعد من قضية المطران موسى الحاج إلى شطر بلدية بيروت إلى إثنتين، يقول أن علّة العلل في الأزمات الداخلية، ولب الإرتدادات للأزمات الإقليمية، مردهما تطويع القانون وإخضاعه لأصحاب السطوة في البنية السياسية والإقتصادية والدينية، والتسليحية، ما يولّد ما يشبه الإيمان بأن الحقيقة لا تكون حقيقة إن لم تحفظ مصالح هؤلاء، وأدوارهم وأحوازهم.

ليس في ذلك اعتراضاً على موقف بكركي، وأساسه أن ينظر اللبنانيون إلى أمورهم بعين واحدة هي عين القانون، فلا يجوز أن يُغض الطرف عمن يشهر عمالته للخارج واتكاءه عليه بالمال والسلاح والدعم، فيرد له “الجميل” بأن يكون مخلبه في سوريا واليمن والعراق ولبنان وكل بقعة في الشرق والغرب يحتاج إلى “أفضاله” فيها، دما وتدميراً، بينما يترك الحدود الجنوبية رهن وعد بالتحرير، يلجمه ما يسمّى “قواعد اشتباك” هي اتفاق هدنة مقنّع مع العدو الإسرائيلي، حل فيه حزب السلاح محل الدولة، وخطف دورها، حتى بات يعطي مؤسساتها العسكرية دروساً في المسؤولية الوطنية، ويتقدم على مؤسساتها الدستورية في تحديد ما يجب وما لا يجب أن تقوم به في السياسات الدفاعية والديبلوماسية، وحتى الإجتماعية والإقتصادية، فيتلاعب بالإستقرار الوطني وفق احتياجات ايران التفاوضية في شأن نفوذها الذي ترجوه في المنطقة، وفي لبنان تحديدا، ولمن ينسى لا بد من التذكير باعلان طهران، الذي لا ينسى، بعد انتخابات 2018 التشريعية عن سيطرتها على 4 عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.

تغيب تهمة الخيانة الوطنية حين تحضر التبعية الكلية لطهران، ولو تراكمت الشواهد والأسانيد، فمنطق القوة أفعل من قوة المنطق، والوقائع يمكن محوها وتبديدها بإلباسها صبغة المسلمات الوطنية، وبإخراجها من كل نقاش، بقوة الأبواق الإعلامية والبروباغندا المدروسة والمخططة، فيصبح المطران الحاج متهماً، تلميحاً، بالخيانة، وهو النائب البطريركي راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة، والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية.

في الإعتقاد والتخمين، أنها ليست المرة الأولى التي يحمل فيها المطران الحاج دعماً ماليا من عائلات لبنانيين في فلسطين المحتلة إلى أقربائهم وأنسبائهم في لبنان، ولابد أن الحزب، فارض نفسه ذاته مؤتمناً على الوطن” “نام” على ما سبق من نقل أموال، ولم يحرك مفاتيحه الدولتية على الحدود، انتظاراً للظروف السياسية المواتية لنهجه في الانتهاز السياسي، كما فعل اليوم، إذ صوب بعين على قضية المطران بينما هو يطلق النار والدخان على استحقاقات أخرى، تمتد من ملف التحقيقات في تفجير المرفأ التي تنام تحت أكداس المناكفات والجدالات، وصولاً إلى الاستحقاق الرئاسي المقبل، ومعه قيام حكومة جديدة. أو ربما أزعجته دعوات الراعي إلى انتخاب “رئيس فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب” قادر على وضع البلاد على طريق الإنقاذ الفعلي والتغيير الايجابي.

ليس في مصادرة ما كان يحمله المطران الحاج أي بُعد وطني، فأوساط الكنيسة تؤكد أن ذلك جزء من مسؤوليته الدينية، وأن الأمر كذلك منذ زمن البطريرك مار نصر الله بطرس صفير ولم يتعرض أي من أسلاف المطران لما تعرض له، فكيف وقد كان للمحكمة العسكرية قرار بعدم الإختصاص تجاهه أصدره القاضي فيها فادي صوان في 5 ايار الفائت، وأبلغ به مفوض الحكومة لديها القاضي منى حنقير، يؤكد أن مرجعيته القضائية تعود إلى الكنيسة وصولا إلى الفاتيكان.

 

راشد فايد – النهار