سمير قصير: 17 عاماً استشهاداً… ولا غياب

قبل 17عاماً وفي مثل هذا اليوم، 2 حزيران 2005، اغتيل #سمير قصير بتفجير سيارته أمام منزله في الاشرفية، في حلقة جديدة سوداء من حلقات حرب الاغتيالات التي شُنّت منذ ذاك الحين على روّاد ورجالات الحركة السيادية الاستقلالية التي كان سمير قصير عن حق أحد كبار رموزها الفكرية والثقافية والصحافية. وبعد 17 عاماً على استشهاده لا يزال ملف التحقيق في اغتياله، تماما كما في ملفات شهداء ثورة الأرز الآخرين باستثناء ملف الرئيس الشهيد رفيق الحريري، خاوياً بلا أي نتائج ولا وقائع ولا معطيات، والتحقيق يكاد يكون منسياً.

أسوأ ما يمكن ان يستوقف الذاكرة اللبنانية في الذكرى الـ 17 لاغتيال سمير قصير ان ذاك اللبنان الذي صوّره واستشهد فيه ومن أجله لم يبقَ منه أثرٌ بعد عين، إنْ على المستوى الوطني الصرف في واقع السيادة والاستقلال في حين يرزح لبنان تحت وطأة وصاية داخلية مرتبطة بمحور إقليمي، وإنْ على المستوى الفكري والثقافي بحيث أكل الفقر والانهيار والجوع ذاك الاشعاع الذي كان يطبع لبنان حتى الأمس القريب رغم كل ما حلَّ فيه.

سمير قصير يعدُّ من رموز الثورة الفكرية والثقافية والتحررية العربية قاطبة وليس فقط ضمن الدائرة اللبنانية. نشأ في الأشرفية ودرس في الليسيه الفرنسية قبل أن ينتقل الى باريس عام 1981، بعد ست سنوات من اندلاع الحرب، ليتابع دراسته الجامعية، فحصل عام 1984 على دبلوم دراسات معمّقة في الفلسفة والفلسفة السياسية من “جامعة السوربون” (باريس الأولى)، ثم عام 1990 على شهادة دكتوراه في التاريخ المعاصر من جامعة باريس الرابعة. كتب خلال إقامته الباريسية مجموعة من المقالات لصحيفتَي “الحياة” و”اللوريان لوجور”. كما كتب لمجلة “لو موند ديبلوماتيك” الفرنسية، والتزم بالمساهمة الدورية في أسبوعية “اليوم السابع” وفي النسخة الفرنسية لمجلة الدراسات الفلسطينية.

في العام 1992، تشارك سمير قصير مع صديقه المؤرّخ والناشر السوري فاروق مردم بك في كتابة “مسارات من باريس الى القدس: فرنسا والصراع العربي الاسرائيلي” الذي يرصد في جزءين (بالفرنسية) تاريخ السياسات الفرنسية في المشرق العربي، المتعلقة بالنكبة الفلسطينية وبالصراع العربي الإسرائيلي.

وبعد صدور الكتاب بسنة واحدة، عاد سمير الى بيروت ليدرّس في دائرة العلوم السياسية في “جامعة القديس يوسف”، ولينضم الى مؤسسة “النهار”، مديراً لدار نشرها، وكاتباً في يوميتها. في العام 1994، نشر كتابه الثاني بالفرنسية “الحرب اللبنانية: من الانقسام الأهلي الى الصراع الإقليمي” المستند الى أطروحته الجامعية والمحلل ديناميات الحرب وتداخل العناصر الداخلية والخارجية فيها بين العامين 1975 و1982، وقد صدرت ترجمته العربية عام 2008.

وفي العام 1995، أطلق مجلة “لوريان أكسبرس” الفرنكوفونية الشهرية، وأسس دار “الليالي”، ناشراً فيها عدداً من الكتب الجامعة مقالات “لوريان إكسبرس”، ثم مجموعة جميلة من ملصقات الحقبة الكولونيالية التي تصوّر مدناً ومنتجعات متوسطية، ومجموعة ثانية من ملصقات الأفلام المصرية. شكّلت مقالات سمير قصير وافتتاحياته في “النهار” في نهاية التسعينات ومطلع الألفية الثانية أبرز ما كُتب في مواجهة هيمنة النظام السوري على لبنان وحكم الرئيس إميل لحود وأجهزته الأمنية، الامر الذي عرّضه لمطاردات وملاحقات ترهيبية من جهاز الامن العام اللبناني آنذاك.

في العام 2003، نشر كتابه “تاريخ بيروت” بالفرنسية، وفيه يروي تاريخ المدينة وعائلاتها وثقافتها واقتصادها وتطوّرها العمراني والمديني والاجتماعي، ويوثّق لعلاقتها بسائر المناطق اللبنانية وبالحواضر العربية والمتوسّطية، وأتبع هذا الكتاب بكتابين بالعربية صدرا عام 2004، “ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان” و”عسكر على مين”، وفيهما مجموعة من مقالاته المنشورة في “النهار” والمركّزة على الترابط بين قضية التغيير الديموقراطي في سوريا والاستقلال في لبنان من جهة، وعلى التنافر بين قضايا الحرية وقيم الجمهورية وسلطة العسكر من جهة أخرى.

ونشر كتاباً جديداً بالفرنسية عنوانه “تأملات في شقاء العرب” عن اسباب إجهاض النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر.

شارك سمير قصير إبتداء من العام 2003 في تأسيس “حركة اليسار الديموقراطي”، وانتُخب في مؤتمرها التأسيسي في تشرين الأول 2004 عضواً في المكتب التنفيذي. وساهمت كتاباته في توجيه أدبيات الحركة السياسية ومواقفها لجهة الدعوة الى استقلال لبنان عن هيمنة البعث السوري، والى التغيير السلمي والعلمنة والعدالة الاجتماعية وبناء دولة الحق والقانون.

وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005، شارك سمير بفاعلية في إطلاق الانتفاضة الشعبية في وجه الهيمنة المخابراتية السورية، وكان له الفضل الأبرز في تسميتها “انتفاضة الاستقلال” تأكيداً لطابعها الوطني الاستقلالي، وربطاً لها بالانتفاضة الفلسطينية في وجه الاحتلال الاسرائيلي عام 1987. وصارت مقالاته في “النهار” صوت الانتفاضة الأشد تعبيراً عن روح الثورة السيادية، الى ان استُشهد على ايدي عتاة الاجرام المترصد برموز الحركة الاستقلالية والتحررية.

– النهار