كاد المريب…!

من مفارقات “رفاق” الحلف السلطوي المرتبط بالمحور الإقليمي المبهر، الذي أدّى التحالف بينهم وارتباطهم به الى ما أدى إليه من إنجاز كارثي أودى بالبلد الوحيد المشعّ بتنوّعه الفريد في المنطقة، أن يتسابقوا قبل أيام من موعد الانتخابات الى مبارزات غسل الأيدي من هذه الأهوال ورميها قياماً وقعوداً على “أعداء الداخل”. لن نبحر طويلاً في “فحص” ما لا يستوجب فحصاً في سلوكيات وأنماط أبطال “الممانعة الحاكمة” أو المتحكمة بالحكم والسلطة لأن السنوات الثلاث الأخيرة وحدها، بمعزل عمّا سبقها من “تراث” التعطيل والانقلابات والممارسات المسلحة والاستقوائية، تكفي لاستخلاص فائض العبر عن عبثية الرهان على تبديل ذهنية قاتلة في شراكة التغيير التي كان يفرضها انهيار كالذي عرفه لبنان. ومع ذلك ترانا أمام شيء من السذاجة المفرطة في رؤية الأبطال المتقدّمين في أفضالهم بصناعة هذا الانهيار يتبارون في امتهان ذاكرة الناس واصطناع التعفف في اللحظة الانتخابية الى حدود تتفوّق أضعافاً مضاعفة على معارضيهم الذين لا يملكون واقعياً غير تحشيد الرهان على صناديق الاقتراع لكسر هيمنة باتت مدمّرة بكل معايير الدمار المادي والمعنوي والمصيري للبنان.

وإن كانت القاعدة “المفتاحية” التي يتكئ عليها العهد العوني في حلقته الرسمية او الحزبية لرد محاكمات الرأي العام في المآل الانهياري الذي بلغه لبنان تتمثل في أسطورة “ما خلّونا” درعاً مفترضاً لردّ السهام الى كيد الخصوم، فإن القاعدة الموازية ولو من زاوية أرحب داخلياً وخارجياً، التي يتوسّلها حليفه الحاكم الفعلي أي “حزب الله”، هي تربيح اللبنانيين الجميل بـ”المقاومة”.

في هذا السياق ينهج الرئيس ميشال عون في إعلانه قبل ساعات أنه لن يبقى لحظة واحدة في قصر بعبدا بعد نهاية ولايته ولو حصل فراغ، نهج من يتحسّس بأنه متهم سلفاً باستعادة سجلّه الحافل في تجارب الفراغ. ليس في المفاهيم الدستورية السويّة ما كان يبرّر لرئيس الجمهورية أن يدفع عن نفسه تبعة السعي الى الفراغ والتعطيل لو لم يكن القلق مبرّراً من سجلّ الرئيس في افتعال الفراغ سنتين ونصف السنة بالشراكة الكاملة مع “حزب الله” قبل انتخابه لفرض انتخابه رئيساً، ولا حاجة بنا الى العودة الى سجلّ الشراكات الأخرى بين التيار العوني والحزب الحديدي الحليف لنظامي طهران ودمشق في تعطيل النظام والدستور والانقلاب على الأصول والأعراف الديموقراطية وتحكيم سطوة الاستقواء بترسانة الحزب وممارساته “السلمية اللاعنفية” في التعامل مع الخصوم السياسيين.

أمّا في استسقاء مقولة ربط مصير لبنان واللبنانيين بالمقاومة مجدّداً، وعند مفترق أيام من موعد الانتخابات والعودة الى اصطناع التعفف في مسألة الاستراتيجية الدفاعية من طريق التخوين المملّ للخصوم، الفارغ من أيّ معنى إلا محاولة تحفيز الأنصار والأتباع وتحذيرهم من التهاون في مراكمة الأعداد يوم الانتخاب، فهذا أيضاً ضرب من ضروب الخواء الذي لم يعد سيّد الحزب يملك بدائل محدثة منه في زمن الانهيار الذي يتحمّل حزبه التبعة الأكبر في دفع لبنان إليه.

بين هذه “الأنغام” التي تتصاعد في أسبوع انتخابي يوصف بأنه حاسم ومصيري ووجودي، والى ما هنالك من أوصاف “ثقيلة”، لا نملك إلا إثارة التساؤل: لماذا هذه اللهفة على التبرير من رموز الهيمنة؟ وممّ يخافون؟ أم تراهم تحسّسوا أن الصوت الأقوى تأثيراً من صناديق الاقتراع هو انهيار كل المنظومة الدعائية السلطوية والممانعة فـ”كاد المريب أن يقول خذوني”!

 

نبيل بومنصف – النهار