تعطيل الدولة أولاً فخامتك!

لماذا لم يعمل الرئيس ميشال عون برأي أو بنصيحة صهره النائب جبران باسيل، الذي خرج من جلسة التشاور معه حول مؤتمر الحوار الوطني المقترح ليقول: “ان الحوار يجب ان يحصل بمن حضر وعلى الجميع تحمّل مسؤولياتهم”، وهل كان من الضروري ان يصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أمس بيان التعمية الغريب والعجيب والمضحك ايضاً، لا ليقول ان الدعوة الرئاسية الى الحوار ستبقى مفتوحة فحسب، بل ليحمّل الذين رفضوها وأعلنوا مقاطعتهم لها، مسؤولية تعطيل الدولة ويتهمهم بالمكابرة … وأيّ مكابرة وسقف البلد يتساقط على رؤوس الجميع؟

أكثر من هذا، كان من الغريب لا بل من المستهجن، ان يحمّل البيان المذكور الذين رفضوا وقاطعوا “مسؤولية ما يترتب على استمرار التعطيل الشامل للسلطات، حكومة وقضاء ومجلساً نيابياً”، ولكأن اللبنانيين لا يعرفون جيداً مَن هم أولئك الذين تقع عليهم عملياً مسؤولية التعطيل الشامل للسلطات، والأغرب من هذا أن هؤلاء هم حلفاء عون والعهد.

وبكلام واضح ومباشر ان الذين رفضوا وقاطعوا معروفون، واعلنوا مواقفهم سلفاً وجهاراً، ولكن ما علاقتهم بعمليات التعطيل، وما هي مسؤوليتهم عن هذا، عندما يناقض بيان بعبدا مضمون فقراته ليقول بالحرف: “ان استمرار تعطيل مجلس الوزراء هو تعطيل متعمّد لخطة التعافي المالي والإقتصادي، التي من دونها لا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ولا مع غيره، وبالتالي لا مساعدات ولا إصلاحات، بل مزيد من الاهتراء للدولة وتعميق للإنهيار، وهذا بحد ذاته جريمة لا تغتفر، بحق شعب يعاني كل يوم أكثر فأكثر من جراء أزمات متوارَثة ومتفاقمة”؟

فمَن ذا الذي يعطل مجلس الوزراء والقضاء، هل هو سعد الحريري، أو سمير جعجع، أو وليد جنبلاط الذي غرّد قائلاً: “ان الحوار جيد ولكن بعد إحياء جلسات مجلس الوزراء، والأولوية يجب ان تكون لتفعيل العمل الحكومي وإطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”، أو لعله سليمان فرنجية الذي قال كلاماً صريحاً وواضحاً من بعبدا؟

غريب! أوَلم يقرأ الذين دبّجوا بيان القصر تصريح جبران باسيل بعد محادثاته مع عمّه، عندما سئل عن عودة “حزب الله” الى الحكومة ليردّ قائلاً: “ما منمون عليه، ولو منمون عليه كان رجع، ونحمّله والثنائي الشيعي مسؤولية التعطيل وكذلك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لا يدعو الى جلسات لمجلس الوزراء”؟ وألم يقرأ الأساتذة الذين كتبوا البيان، محمّلين “الرافضين والمقاطعين” مسؤولية التعطيل، طالبين منهم تغليب الحسّ الوطني على أي مصالح أخرى، مثلاً تصريح النائب العوني أسعد درغام، الذي قال على خلفية تعطيل السلطات: “ان الثنائي الشيعي يرتكب مجزرة بحق الشعب اللبناني”، فما علاقة الذين قاطعوا ورفضوا بمسؤولية التعطيل الذي يقول العونيون ان الثنائية الشيعية مسؤولة عنه وأكثر؟

لا ليس كافياً ان يقول بيان بعبدا ان المعطّلين والرافضين للحوار يعرفون أنفسهم جيداً ويعرفهم الناس، فهو يعرفهم جيداً، والمكابرة الحقيقية انه لا يحمّلهم مباشرة وصراحة، مسؤولية المآسي التي وصل اليها اللبنانيون، وكان عليه ان يسمّي لأن التعطيل الشامل للسلطات، يأتي من حلفائه الذين يتولون هذه السلطات لا من الذين يعارضون تدمير لبنان… مفهوم؟

 

راجح خوري – النهار