الإنتخاب… “ثوب حرير لجوف عَفِن”!


(من سلسلة “الفساد في سطور” )

محمد ناصرالدين

في صدد الحديث عن الفساد، كان لابد من التفتيش الدقيق عن أصل الحكاية، عن البذرة التي أثمرت كل هذا الفساد، عن الخلية التي نهشت كثيراً من جسم الوطن، عن الذي خلف كل هذا الخراب في كيان متآكل، متسرطن، تتفشى فيه كل كل أنواع الأوبئة النفسية و الأمراض الإدارية.
ديمقراطية مزيفة؟
حدثني عن ديمقراطية، عن شعوب باهتة المصير غبية الاختيار
أحدثك عن لبنان فهنا لا معايير للنجاح ولا معايير للفشل وممثل الشغب يفعل ما يحلو له دون أن يُسأل أو يُحاسب، حتى نظرة سوء لا ينالها.
للسارق تبرير معتاد “حق الطائفة ” و للفاشل تبرير شهير “ما خلُّونا ” و لعن الله طوائف تعيش على مسروقات وطن.

بالعودة للانتخاب في مفهومها، كما شرحها علماء السياسة فهي السلم الشرعي السلمي لصعود القادة بدل الانقلاب والاقتتال، و هي صك الشرعية التي يجب أن لا يتجاهلها أي حاكم في العالم على الأقل في العقدين الأخيرين من الزمن .
هكذا هي الانتخابات في دول العالم الأول و هذا هو مفهومها المثالي، السائد، لكن في غير لبنان، لانه الوطن الذين يبتكر لكل شيء ذنب. المشرعون في هذا الوطن الفذ وجدوا في الانتخابات خير وسيلة سلمية للحفاظ على سلطة فانية بنظر السياسة و معاييرها الحديثة. يضعون معايير مبطنّة تحافظ على حاشيات الأحزاب الحاكمة بغير حق!

تقسيم الدوائر؟
في إطار البحث الشاق عن قانون انتخابي جديد، تضع الخردة الحاكمة في صدارة اهتماماتها الحفاظ على مكتسباتها، بدل البحث عن قانون أكثر عدالة و عصرية، قانون يؤمن أو على الأقل يعزز من المشاركة الانتخابية في وطن، في أوجّه، ما تجاوزت فيه نسبة هذه المشاركة ال٥٥ في المئة .
خجل النسبة المئوية للمشاركين في هذه المسرحية الديمقراطية” للأمانة لا يدل فقط على القوانين الرديئة التحضير بل أيضاً على استهتار شعب، يواجه مصائره بالنُكات و التفاهة و الصبيانية .
كاقتسام الجبنة، يأخذ كل طرف نصيبه من الدوائر و النفوذ، و الجدير بالذكر أيضا أن تقسيم الدوائر يتم على أساس تجنب أي اصطدام عنيف بين الأحزاب الحاكمة، بمعنى تكريس الدوائر ذات اللون الواحد و تفادي دوائر الفسيفساء.
تفتش الأحزاب الحاكمة عن كل تفصيل يجعل من النتيجة اكتساح في غاية رواسب السلطة الحالية.
لهذا يكون الجهد مضاعفا في سبيل البحث عن “عائق خفي” يحول دون بزوع نجم حزب او ذراع معارضة. أي دخيل جديد قد يفشل الاقتسام و الخليط المعتاد و الخوف، كل الخوف، أن يمتلك هذا الدخيل شيءٌ من الضمير، و قليلٌ من الرأفة، و حفنة من الإنسانية و خيط وطنية، فيفسد عليهم تجارتهم بحق الوطن و الشعب.

الخبث السياسي؟!
لك أن تتخيل أن النظام النسبي ذو الفعالية العالية و الشهرة الواسعة والصيت الحسن، جعله مشرعوا لبنان المسيسون عقيماً تافهاّ، خصوصاً بعد إضافة بند خبيث في القانون “يمنع الترشح الانفرادي” الا ضمن لوائح بالتوازي مع تقسيم محنّك للدوائر، و هذا برأينا شكل الضربة الموجعة للمعارضة في الانتخابات الماضية. فالمعارضة في لبنان في الحقيقة هشة، تمتلك بين الحين و الآخر حنين طائفي، و ميول لاسياسية .
وبهذا أضحت الوسيلة الأولى نحو الديمقراطية، مجرد طريق موحل، تنتهي عنده كل عجلات التغيير و الإصلاح، بالطبع ليس المقصود التغيير البرتقالي، و الصناديق حتما ملت من تكرار الأسماء، و البرلمانات لو امتلكت قدرة النطق لقالت “تباً لكل قاطن غير كريم هنا”!