المال العام … “كل من ايدو إلو”

(من سلسلة “الفساد في سطور”)

محمد ناصرالدين

لا تقتصر أزمات لبنان على ساسته و فشلهم بل لبنان هو النموذج الولاّد للفساد بأشكال قد لا تخطر على بال إبليس نفسه. المال العام في لبنان هو الطريق الأسهل للغِنى، هو أسهل الحرام، خزائنه تفتح مصراعيها للجيوب التي لا تضيق. دخول المناصب في لبنان يعني امتلاك الطائرات الخاصة و الجمعيات الوهمية و نهب الوزارات و …
في عالم السياسة، و في كل الدول يبقى المال عاماً أو خاصاّ هو محط أنظار الفاسدين، إلا أن العلامة الفارقة هي في نجاعة القوانين و القضاء و يقظة شعب .

كيف لك أن تتخيل الحال مع قضاء لبناني مسيّس، مُرتَشي، مغلوب على أمره؟

انتهاك المال العام و اغتصاب حقوق الفقراء، سلسلة متينة مترابطة، سلسلة من تمثيل و إخراج و تنفيذ السلطة الجمعاء التي تحاضر بالعفة مع مطلع شمس وأفولها وشعب قيل عنه من “طينة الخبائث”.
في سلسلة “الفساد في سطور”سوف نستعرض بعض النماذج اللبنانية في الفساد، لعل العالم يشهد للبنان أنه بلدٌ مبتكر “لكن من نوع آخر”!
من أركان الأمة نبدأ، فالأرض التي هي إحدى ركائز الهوية، بدأ الانقضاض الموسع على مشاعات الدولة، الجاني هنا ليست السلطة السياسية بالتحديد، الجاني هنا هي السلطة المتلطية بإسم الدين الحنيف و الوريث عيسى، بدل الانتفاع منها لصالح العباد، وضع راكبوا الطوائف أيديهم على مساحات واسعة و الغطاء ديني…

بالمقابل استولى قطيع الأراضي من كبار مالكي العقارات على ما تبقى منها و ساد عرف السوء بأن تتحول ملكية المشاعات المحيطة بملك ما للمالك نفسه. و في المقابل تجد أن بعض البلديات أو الوزارات تعتزم دفع مبالغ مرتفعة لشراء أراض أو مبان أو إيجاراتها متنازلة قصداً أو سهواً عن ممتلكاتها. في محاولة خجولة منذ ٣ سنوات قررت وزارة المالية عبر علي حسن خليل، تحصيل مشاعات الدولة وممتلكاتها إلا أن سرعان ما تحول الحماس ثلجاً والقرارات اختفت بين الأدراج، والمؤكد الوحيد في ذلك ان الأحزاب المهيمنة في بعض المناطق رفضت احداث بلبلة من خلال استرجاع ممتلكات الناس للناس، خصوصا أن من استولى على المشاعات هو من صاحب النفوذ و المال، لا الفقراء.

وفي سطور الفساد، ذاع سِيتُ “لبنان المتسول” في المجتمع الدولي. سنوات طويلة والحكومات اللبنانية تستقرض باسم الشعب وتُسرف باسم الشعب نفسه، والشعب على حاله، يفتقد الطبابة والتعليم والصحة والغذاء! فشل يجر فشل وثقوب علنية وسرية تتناثر منها مليارات .
الحقيقة المرة هو إن الحكومات في لبنان اعتادت على الهبات و المال السهل و في المقابل اعتاد جيوب الفساد ان لا تسأل؟ او تُحاسب؟
امتلك البعض جرأة السؤال عن مصادر أموال بعض الشخصيات المرموقة في لبنان، لكن النعوت التي انهالت عليه في لهجة التفوه بالسؤال، لا تحصى ! بالطبع كانت توصيفات سيئة و غير اخلاقية.
من اعتاد شرب الخمر لن يسكر من الشاي و من اعتادت جيوبه مال الشعب لن تروق له الأموال الشرعية.
في صلب الحديث عن اعتبار أموال الشعب أموال “داشرة” كانت الأملاك البحرية في صلب القضية. عقود أبرمتها الدولة مع سياسيين سابقين وحاليين حول ايجار واستثمار أملاك البحرية. دفتر الشروط يوحيك بوعي طرفي العقد
لكن نوبة ضحك ستعتري قارئ الشق المالي للعقود… أي احمق مَثَّلَ الدولة في توقيع تلك العقود؟
مردود سخيف جداً للدولة من الأملاك التي من المفترض أن تغطي عائداتها خانات لا بأس فيها في موازنات الدولة، لكن الفشل أو الغباء افسد المال وهتكه. عذراً ما كان غباءً فالتمحيص البسيط في أسماء الطرف الثاني يوحي لك لا بل يعطيك اليقين أن الأمر برمته نهب لمال الدولة فمعظم الأملاك البحرية مرهونة لسياسيين حاليين و ذويهم و حاشيتهم .
و في الحديث عن الفساد، سُطُورٌ أخرى…