القضاء ينتصر لنفسه ويد البيطار طليقة


مع أن ردّ محكمة الاستئناف المدنية لثلاثة طلبات نيابية كفّ يد المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار عن التحقيق، استند إلى اعتبارات شكلية، الا ان ذلك لم يقلل ابداً أهمية الدلالات الأعمق في المضمون لهذا الملف من خلال ما يمكن اعتباره موضوعياً إعادة الاعتبار إلى المحقق العدلي والانتصار للقضاء نفسه في مواجهة “حلف الارتياب والترهيب”. فاذا كانت الرسالة المباشرة في الرد القضائي لمحكمة الاستئناف بإسقاط محاولة تعليق التحقيق وكف يد المحقق العدلي طاولت النواب الثلاثة الطاعنين في المحقق العدلي قانونياً وقضائياً وسياسياً، فان الرسالة انطوت ضمناً أيضا في وجهها الاخر على رد المحاولة السافرة لـ “حزب الله ” بترهيب البيطار ومن خلاله القضاء كلا، وسط صمت رسمي وسياسي مخز. وجاء القرار القضائي أمس بمثابة ادانة صافعة لكل الصامتين على النهج الترهيبي.

واستأثر رد محكمة الإستئناف المدنية برئاسة القاضي نسيب إيليا وعضوية المستشارتين القاضيتين روزين حجيلي ومريام شمس الدين، طلبات الرد المقدمة من النواب نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر، والمتعلقة بكف يد المحقق عن التحقيقات شكلا لعدم الإختصاص النوعي، وإلزام المستدعين طالبي الرد دفع غرامة مالية مقدارها 800 ألف ليرة عن كل واحد منهم، بواجهة الحدث الداخلي وسط انهماك الحكومة في الاعداد لانطلاق جولات التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وفيما لم يكن البيطار تبلغ بعد القرار، علم انه سيباشر بتعيين جلسات استماع للمتهمين فور تبلغه. ورجحت معلومات ان يستعجل الاستدعاءات قبل 19 الجاري موعد بدء الدورة العادية الثانية لمجلس النواب علما ان المواجهة بين المحقق والمطلوبين للمثول امامه لم تتوقف، اذ ان وكيل الوزير السابق يوسف فنيانوس تقدّم أمس بدعوى تزوير بحق القاضي البيطار.

صحيح ان محكمة الإستئناف ردت هذه الطلبات في الشكل إلا أنها تصدت في الأساس لمسألة الإختصاص فأسهبت في شرح هذه الناحية وركزت في الوقت نفسه على دور المجلس العدلي، الهيئة القضائية الجزائية الإستثنائية، الذي تحال أمامه الدعاوى ذات خصوصية لتعكف من خلال هذه الخصوصية على أهمية دور المحقق العدلي. وذكرت قرارات المحكمة في السياق أن هذه الخصوصية توجب الإسراع في بتها سواء أمام المجلس العدلي أو أمام المحقق العدلي بإعتبار ان للجرائم المحالة على المجلس العدلي تأثيراً صادماً على المجتمع في البلاد أمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً. وتناولت المحكمة في قرارها التداعيات التي يمكن ان تترتب عن التأخير في بتها القضية وما يستتبع ذلك من تأثير معنوي على القاضي نفسه وعلى الخصوم فيها. وتبعا لقرارات محكمة الإستئناف الثلاثة غير القابلة للطعن يعود للقاضي البيطار متابعة تحقيقاته في ملف المرفأ من النقطة التي وصل اليها ما دامت محكمة التمييز الجزائية التي تنظر في طلب نقل هذه الدعوى إلى قاض آخر المقدم من الوزير السابق فنيانوس لم تصدر قراراً تطلب منه وقف التحقيق في هذه القضية وهو الأمر المستبعد.

وبإعلان محكمة الإستئناف عدم إختصاصها النظر في طلبات رد محقق عدلي تكون سارت على خطى ثلاث قرارات سابقة مماثلة صادرة عن هذه المحكمة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وتزامن صدور قرار المحكمة مع ذكرى مرور 14 شهراً على انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب عام 2020، اذ نفذ أهالي ضحايا الانفجار وقفة أمام البوابة رقم 3 في المرفأ. وشكر المتحدث باسم الاهالي القاضي نسيب إيليا على موقفه وطلب من القاضية كفوري أن تحكم بالعدل مؤكدا “اننا وقد شعرنا أن القضاء في لبنان اليوم لا يزال فيه بعض الخير ونطلب من الشعب اللبناني أن يقف إلى جانبنا من دون تسييس أو طائفية فهذه الجريمة طالت الجميع، نحن بحاجة إلى كلّ اللبنانيين”، ودعا المحقق العدلي القاضي البيطار “إلى تطبيق إجراءاته المتبقية بسرعة كي لا يقوموا بالتلاعب على القوانين عبر حصاناتهم”.