يبدو واضحاً أن الحكومة انطلقت في التهيئة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي كأولوية “ساخنة” تتقدم كل الأولويات الأخرى، على رغم تزاحم الاستحقاقات الضاغطة والأزمات المتلاصقة والمتصلة بعضها بالبعض الآخر. وعلى أهمية هذا الأمر، وحرص رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تجاهل كل ما يثيره اندفاع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى اختزال المشهد التفاوضي بنفسه قبل ان تبدأ المفاوضات كأنه يقول “الأمر لي”، فان الأسابيع المقبلة ستشهد على ما تؤكد المعطيات المتوافرة في هذا السياق تثبيت الأسس التي ينتظرها صندوق النقد الدولي من الحكومة الجديدة لبدء الرحلة التفاوضية، علماً ان الحكومة والعهد يدركان سواء بسواء ان أعين المجتمع الدولي ستكون راصدة بدقة لمجريات هذه المفاوضات التي سيتوقف عليها مدى الاستجابة للدعم الملح الذي يتطلبه الواقع اللبناني الكارثي. ولكن تركيز الاهتمامات على هذا الملف لن يحجب تصاعد ضغط الملفات الأخرى الأكثر الحاحاً بدءاً بالازمات المعيشية والخدماتية، اذ تقترب أزمة الكهرباء خصوصا من حجم كارثي حقيقي في الأيام القليلة المقبلة، الأمر الذي سيفرض استعجال إجراءات اقتراض مئة مليون دولار من مصرف لبنان لمد مؤسسة كهرباء لبنان بالفيول قبل التعتيم الشامل. كما ان المخاوف عادت تضرب بقوة باب الحكومة حيال تجدد طوابير السيارات حول محطات الوقود وامامها، ما لم تتخذ قرارات واضحة وحاسمة في شأن رفع الدعم نهائياً واعتماد أليات جديدة واضحة للتسعير بما يزيل السوق السوداء للمحروقات ويضمن الإمدادات النفطية المنتظمة.
في هذا السياق، وغداة الجلسة العملية الاولى لمجلس الوزراء التي شهدت تشكيل اللجنة الوزارية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، والتي ستعطى 3 اسابيع لاعداد خطّتها، لوحظ ان رئيس الجمهورية التقى وفدا من شركة “لازار” للاستشارات الدولية، وافيد انه عرض مع الوفد “ضرورة استكمال مهمة الشركة الاستشارية للدولة اللبنانية في إطار التحضير للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل النهوض بالاقتصاد اللبناني”. وشدد عون على “ضرورة مراجعة خطة التعافي الاقتصادي التي اعدتها الحكومة السابقة نتيجة التغيير الذي حصل في الارقام منذ أكثر من سنة حتى اليوم، وتوحيد هذه الأرقام، كي يكون موقف لبنان قوياً خلال المفاوضات”. وتزامن ذلك مع صدور القرار النهائي بتشكيل لجنة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، “بعد التوافق بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي”. وتضم اللجنة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، وزير المال يوسف الخليل، وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، “على أن يضم الوفد وزراء ويستعين بخبراء من اصحاب الاختصاص وفقا للمواضيع أو الملفات المطروحة في مسارالتفاوض”. ومعلوم ان اللجنة تضم مستشارين لعون.