واشنطن لا تغض النظر ولا تصعّد

يكتسب ما أعلنته الولايات المتحدة من عقوبات على قنوات مالية تعمل من لبنان والكويت وتمول ” حزب الله” وعلى شركات واجهة تمول الحزب وإيران من حيث توقيتها غداة الاستقبال الذي أعده الحزب لوصول صهاريج المحروقات الايرانية عبر سوريا رسالة اميركية مزدوجة. فمن جهة تفيد هذه الرسالة ان الولايات المتحدة ليست غافلة او هي لا تغمض عينيها كليا عن هذه الخطوة فيما ان الحزب يبقى وحتى إشعار اخر موضع رقابة ومعاقبة باعتباره تنظيما ارهابيا . قال وزير الخارجية انتوني بلينكن في البيان الذي اصدره ان هذه الشبكات من الافراد والكيانات ” قامت مع بعضها بغسل عشرات الملايين من الدولارات من خلال انظمة مالية اقليمية، واجرت عمليات لصرف العملات وتجارة الذهب والالكترونيات لصالح كل من حزب الله وفيلق القدس ، وهو ذراع الحرس الثوري الايراني، مشيرا الى ان الحزب يستخدم الايرادات التي تديرها تلك الشبكات لتمويل انشطة ارهابية واطالة امد عدم الاستقرار في لبنان وفي المنطقة. وكان سبق هذه الخطوة مصادرة واشنطن ارصدة للحزب قدرتها ب٢٣ مليون دولار. وتاليا لا يمكن القول ان واشنطن تجاهلت الموضوع وغضت النظر او ان هناك صفقة بعيدا من الكواليس اتاحت للحزب تسجيل نقطة في مرماها بالنيابة عنه وعن إيران وحتى عن النظام السوري.

ومن جهة اخرى تفيد هذه الرسالة بعدم رغبة واشنطن في التصعيد في موقفها ازاء خطوة استيراد النفط من إيران مبتعدة عن خطوة قد تربكها من حيث اعطائها صدقية لمنطق الحزب وشعاراته بوجود حصار اميركي على لبنان. وتاليا فان هذا الحصار هو سبب الانهيار اللبناني وفقا لمحاولات حجب الافرقاء في لبنان بمن فيهم الحزب المسؤولية المباشرة عنهم علما ان واقع وجود دويلة تتجاوز سقف الدولة اللبنانية وتتحدى سيادتها هو من الاسباب المباشرة لهذا الانهيار. وذلك فيما يحاول ان يدفع الحزب اسباب الانهيار بعيدا منه واظهار انه من يساهم في انقاذ لبنان في ظل عجز الدولة عن تأمين أدني متطلبات العيش للبنانيين وانه يقوم بذلك تعويضا عن هذا العجز تماما كمنطق ” المقاومة ” في الجنوب والتي وسعت مروحة اهدافها وتطلعاتها الى المنطقة. وهذا ما يعتقد كثيرون ان الحزب يرنو اليه من ضمن دخوله شريكا للدولة في كل قطاعاتها لا سيما انه صاحب القرار في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل وكل ما يتصل بها وكان رفض الرئيس ميشال عون رفض التوقيع على تعديل الحدود خطوة متقدمة، والبعض يقول نادرة، بالنسبة الى معنيين دوليين في صد ضغوط الحزب ومن ورائه عليه من اجل التوقيع على مرسوم التعديل. ولكن هناك ايضا الاعتبارات الاميركية المرتبطة اولا بعدم رغبتها في تصعيد المواقف في ظل محاولات اعادة إيران الى طاولة المفاوضات في فيينا حول ملفها النووي وتاليا ابقاء سقف ردودها مدروسة ورمزية الى حد بعيد باعتبار ان فاعلية هذه الخطوات العقابية في التأثير ليست كبيرة في الواقع. بل ان الحزب سعى دوما الى توظيفها لمصلحته فيما شدد قبضته وسيطرته على لبنان تحت عنوان معاداته ومحاربته الولايات المتحدة والتصدي لها. لا بل ان الدعوة التي تضمنها بيان بلينكن للدول للتعاطي مع الحزب على اساس الاعتبارات التي ساقها اخذت ابعادها فيما ان فرنسا مثلا الحليفة للولايات المتحدة كانت ولا تزال على خط رفض تصنيف الحزب ارهابيا لا بل شكل انفتاحها عليه رافعة له لا سيما في موضوع تأليف الحكومة في الوقت الذي يقول معنيون ان العقوبات الاميركية التي فرضت على حلفاء للحزب قد تكون ساهمت في اعاقة عودة لبنان الى الاستقرار نتيجة رد فعل انتقامي وابتزازي خلقته واشنطن لنفسها عبر هذه العقوبات من دون ان يعني ذلك انها ندمت على اتخاذ او فرض هذه العقوبات . ولكن في هذا السياق ومع التوتر الذي نشأ بين فرنسا وواشنطن على خلفية قضية الغواصات لأوستراليا، لن تجد دعوة بلينكن الصدى المطلوب علما انها موقف مبدئي تعيه واشنطن جيدا.

كان لافتا من جهة اخرى اعلان إيران ان شحنة المحروقات اليه تمت بطلب من السلطات اللبنانية وهو امر نفته مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان قال انه لا يخشى العقوبات الاميركية لان الدولة اللبنانية ليست معنية بشحنة المحروقات، فالإعلان الايراني وان ربط المزيد من المحروقات بطلب السلطات اللبنانية من اجل شرائه، انما يعني ان ايران تحاول ان تحجب انتهاكها المقصود والمتعمد لسيادة الدولة اللبنانية عبر اعطائها النفط لاحد أهم أذرعها في المنطقة وهو ” حزب الله”. ذلك ان الامدادات بالأسلحة والصواريخ للحزب ليست صريحة على هذا النحو ولا كذلك الامداد بالأموال فيما ان الاعلان عن هذه الاخيرة كلها تأتي من الحزب نفسه وعلى لسان امينه العام. ففي نهاية الامر يفترض بإيران انها دولة تنادي بعدم انتهاك سيادة الدول فيما باتت تعمد علنا الى الالتفاف على سلطات لبنان الشرعية او عبر تجاوزها علنا وصراحة ولم تعد تخفي ذلك. فهي بذلك تحرج لبنان وتحاول ان تدرأ عن نفسها تهمة انتهاك السيادة اللبنانية فيما كان أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن شحنات النفط الايراني انتهاك لسيادة لبنان معربا عن حزنه لذلك. لانتهاك السيادة مفهوم واحد لا تمييز فيه بين عدو وصديق بل انه اشد وطأة إذا اتى من دولة ليست عدوا، وتاليا فان الانتهاك يعني وجوب الشكوى لدى الامم المتحدة على اي انتهاك للسيادة فيما من المعروف ان لبنان لن يجرؤ على ذلك وعاجز تبعا لعدم جرأته على منع عبور النفط الايراني عبر معابره غير الشرعية في الدرجة الاولى او حتى على الاعتراض عبر استدعاء السفير الايراني لإبلاغه رسالة بهذا المعنى. ولكن لا حياة لمن تنادي. فالسلطة اللبنانية قاصرة وتدفع الثمن كما يدفع لبنان الثمن من ضمن الكباش الايراني الاميركي فيما ان لبنان يزداد تدميرا وتحويرا لصيغته تحت شعارات او مسميات مختلفة وفي إطار توظيف هذا التدمير في الادعاء بالإنقاذ.

روزانا بومنصف – النهار