تشويه صورة “القوات” لضرب مشروعها السيادي

تذكّر الحملة الشعواء التي تتعرّض لها “القوات اللبنانية” اليوم، بمرحلة العام 1994، بحيث جرى نسج مخطّطات أمنية يومها لحلّ الحزب واعتقال قائدها الدكتور سمير جعجع، وعلى هذه الخلفية، تُطرَح أسئلة كثيرة عن خلفية المعركة التي تُخاض ضدها في هذه المرحلة الدقيقة على كافة الصعد.

وتقرأ مصادر قيادية قواتية في الحملة المتعدّدة الجوانب، والهادفة لتشويه صورتها، بأنها تأتي بسبب الخشية من دور “القوات” السياسي، بحيث أن كل من يستهدف “القوات” اليوم، لديه أهدافه وخلفياته، وهم:
ـ “حزب الله” يستهدف “القوات”، باعتبارها قوة سيادية تتناقض مع مشروعه بإبقاء السيادة في لبنان مُنتهكة.

ـ “التيار الوطني الحر” يواجه “القوات” لأنه يعتبر بأنها تفوّقت عليه مسيحياً، وبطبيعة الحال لبنانياً، وبالتالي، على قاعدة أن صورة “التيار” أصبحت سوداء أمام أعين اللبنانيين والمسيحيين، فهو يريد تدمير وضرب صورة “القوات” لتصبح على غرار صورته، لا سيما وأنه يخشى من دورها وحضورها وتأثيرها.
ـ بعض المجموعات التي وجدت في الثورة مناسبة لأن توجِد نفسها بالإتكاء على غضب اللبنانيين، ترى في “القوات” عائقاً أمام وجودها وحضورها وتمثيلها، خصوصاً أنها تفتقد إلى المشروع السياسي، خلافاً ل”القوات” المتمكّنة من مشروعها، إن في شقّه السيادي، أو في شقّه المؤسّساتي لإدارة الدولة في لبنان، وبالتالي، كل من يعتبر أن دور “القوات” يؤدي سيادياً إلى تحجيم وضعه، ويؤدي إصلاحياً إلى إبعاده عن المغانم والمحاسيب والأزلام، هو يواجه “القوات اللبنانية” اليوم.

لذا، فإن الحملة على “القوات”، كما تقول المصادر القواتية، هي من أكثر من طرف سياسي، على خلفية الأسباب التي أشرنا إليها في البداية، ولكن، وفي هذا التوقيت بالذات، خرجت بعض الأصوات والمخاوف من تكرار سيناريو العام 1994، يوم اعتقل الدكتور جعجع، لكن المصادر استدركت، مؤكدة أن هذا الأمر غير قائم لثلاثة أسباب أساسية:

أ ـ في العام 1994، كان حافظ الأسد في قصر المهاجرين، وقد جرى تلزيمه لبنان نتيجة الأوضاع الإقليمية، والحاجة الدولية لدوره في مفاوضات السلام العربية ـ الإسرائيلية، فكان أن أصبح القرار السياسي في لبنان موجوداً في دمشق آنذاك، التي كانت تلعب دوراً إقليمياً كبيراً، ولها علاقاتها الدولية والعربية، كما لها مشروعها بضمّ لبنان إليها، وهذا مشروع بعثي قديم لتحويل لبنان إلى محافظة من المحافظات السورية. بينما في واقع الحال اليوم، ففي قصر المهاجرين شخص إسمه بشّار الأسد، وهو موجود صُوَرِياً في السلطة السياسية، في حين أنه على أرض الواقع سوريا مقسّمة إلى أجزاء وولاءات، وغير موحّدة. فقد انتهت الحرب، وعلى المستوى السياسي عجز النظام عن استعادة قدرته ونفوذه وقراره، وبات يخضع بشكل أو بآخر لوصاية روسية على قراره، مما جعله مأزوماً.

ب ـ السلطة في لبنان آنذاك كانت في كل مؤسّساتها السياسية والأمنية والقضائية، تُدار من قبل مرجعية واحدة هي المرجعية السورية في “البوريفاج” أو في عنجر، وكانت الدولة تسير بخطى ثابتة تنفيذاً للقرار السوري. بينما الواقع اليوم أن السلطة الموجودة في لبنان هي سلطة هَرِمة، والفريق السياسي الذي ورث الحالة عن النظام السوري، وأمسك بالقرار السياسي وبقرار الحرب والسلم، قد أوصل لبنان إلى الإنهيار والإفلاس، فلبنان اليوم في حالة ضياع، والشعب اللبناني لا يريد هذه السلطة، وقد انتفض عليها، وهو يعتبر بأن الوضع كارثي، وبالتالي، بات أي مواطن لبناني يتظاهر في الشارع، يهاجم أكبر رئيس ونائب ووزير، ولا يستطيع أحد أن يقول له شيئاً، في ظل واقع الإنهيار، فيما السلطة غير متماسكة، والمشروع الذي ورثه “حزب الله” عن النظام السوري، قد وصل إلى الحائط المسدود، وفي حالة انهيار تامة، كما أن هناك صراعات داخل هذه السلطة.

ج ـ لا يمكن السماح، وهذا الأمر غير وارد وغير مطروح، بأن يُعاد تلزيم لبنان لأي طرف خارجي، لأن هذا التلزيم قد دفع ثمنه الجميع، وليس فقط لبنان واللبنانيين، فالعالم كله دفع الثمن بنتيجة ما حصل على مستوى العالم العربي، وعلى مستوى المجتمع الدولي، بحيث أصبحت العقوبات على “حزب الله” من قبل الإدارة الأميركية والإتحاد الأوروبي نتيجة لهذا الوضع، مع العلم أنه لو طُبّق اتفاق الطائف كما كان يجب أن يُطبّق، لما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من شكاوى على هذا المستوى، فضلاً عن أن ما ينطبق على النظام السوري في مطلع التسعينات، لا ينسحب على “حزب الله” اليوم، لأنهم مكوّن لبناني، وإن كان قراره إيراني وتوجّهه أيضاً، لأنه في نهاية المطاف، لا يتجاوز حدود بيئته، وهو في حالة تناقضية مع معظم المكوّنات اللبنانية، وهذا الأمر ظهر في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من محطة.
وانطلاقاً من كل ما تقدّم، تؤكد المصادر القيادية القواتية، أنه لا يمكن إعادة ألأحداث إلى الوراء، كما أن ل”القوات” وزن سياسي وشعبي كبير، وذلك ليس فقط على المستوى المسيحي، وإنما على المستوى اللبناني، سيما وأن الجميع بات ينظر إلى “القوات” كحالة إنقاذية من الواقع السياسي الحالي في لبنان، وبالتالي، لها تمثيلها وحضورها وحيثيتها وشبكة علاقاتها الخارجية.

ومن هنا، تشير المصادر، إلى أنه ما من خشية من تكرار سيناريو التسعينات على “القوات”، ولذلك، فالأمور ممسوكة وتحت السيطرة، وكل ما يحكى لا يتجاوز ويتعدّى المخاوف المشروعة، ولكن في نهاية المطاف “القوات” باقية، وكل القوى السياسية الأخرى زائلة، وقد أثبتت الظروف أن النظام السوري خرج من لبنان، وأن النظام الآخر الذي ورث عن النظام السوري احتلاله للبنان، وصل إلى الحائط المسدود، وهذا المشروع هو على قاب قوسين أو أدنى من النهاية.

فادي عيد – خاص Akhbarplus