الحكومة: ثقة نيابية كبيرة وتشكيكٌ شعبي ودولي أكبر!

اذا كان نيل الحكومة الوليدة ثقة مجلس النواب الاثنين المقبل، مضمونا، بعد ان جمعت على طاولتها معظمَ القوى السياسية في تركيبةٍ سياسية بوضوح لم يُحترم فيها معيارُ الاستقلالية او الاختصاص، فإن نجاحها في إنقاذ البلاد من الجحيم الذي تتخبط فيه، غير مضمون، وقد شكّك فيه ليس فقط الرأي العام اللبناني الشعبي والسياسيّ المعارِض، ومعهم دبلوماسيون عرب واجانب، بل ايضا مرجعيات دولية بارزة ومنها وكالة بلومبرغ التي قالت في الساعات الماضية ان “عودة نجيب ميقاتي إلى السلطة كرئيس للوزراء أو التركيبة المألوفة لحكومته الجديدة لا توحي فعلا بالثقة”، مشيرة الى ان “القيادات السياسية في البلاد، خاصة حزب الله لم يوافق على تشكيل الحكومة إلا لأنّ خيار المزيد من المماطلة لم يعد متوفرا”، معتبرة ان قرار رفع الدعم الذي اتخذه المركزي “أجبر السياسيين على إعادة ترتيب الكراسي. فمن دون المحروقات، تنعدم الكهرباء والمواصلات والعديد من الحاجات الأساسية للمجتمع الحديث”… وليس رفع الحكومة تحدي الانقاذ الاقتصادي وحده موضع تشكيك، بل يضاف اليه تحدّي الدفاع عن هيبة الدولة وسيادتها المنتهكتين “الشهيدتين”. فبعد ان تجاوزها حزبُ الله بقرار نقل النفط الايراني الى لبنان والذي اكتفى ميقاتي بالاعراب عن حزنه لحصوله، مقرّا بأن لا قرار للحكومة في هذه المسألة، ها هو العدو الاسرائيلي يستعد ايضا للمس بحقوقنا النفطية البحريّة، مستفيدا من تباين القيادات اللبنانية في مقاربة مسألة ترسيم الحدود ما علّق مفاوضات الناقورة… فهل اهل الحكومة على “قلب واحد” وموقف واحد، ماليا واصلاحيا وسياديا، بما يمكّنهم من تفكيك هذه الالغام كلّها؟ ام ان مجلس الوزراء بيتٌ بمنازل كثيرة بما يجعل فرضية انفجار هذه الالغام على طاولته، مرجحة؟

الثقة الاثنين: الاثنين المقبل اذا، تعقد في الاونيسكو جلسة لمجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري والتصويت على منح الحكومة الثقة. وفي وقت يرجح ان تكتفي كل كتلة بمداخلة واحدة، ستحصل الحكومة على ثقة كافية ووافية تلامس المئة صوت، ولن يحجبها عنها الا تكتل الجمهورية القوية وعدد من النواب المستقلّين. اما تكتل لبنان القوي فبات منحه الحكومة الثقة شبه محسوم. في السياق، رأت الهيئة السياسية في التيّار الوطني الحرّ اثر اجتماعها الدوري أن “البيان الوزاري تضمّن مطالب التيّار التي وردت في بيان التكتل الأخير ولاسيما كل ما يتصل بالإصلاحات المالية والنقدية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي ومكافحة الفساد وتوفير شبكة الأمان الاجتماعي والتدقيق الجنائي وإعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج والكابيتال كونترول والفوائد المشجعة للاقتصاد المنتج والبطاقة التمويليّة والانتخابات ومشاركة المغتربين والتحقيق في انفجار المرفأ وإعادة إعماره وتنفيذ ورقة سياسة النزوح وإقرار قانون اللامركزيّة الإدارية”. كما ابدت الهيئة “ارتياحها لتوقيع عقد التدقيق الجنائي وترى أن العبرة بالتنفيذ، وأكدت أن إصرار رئيس الجمهورية عليه أعطى ثماره خصوصاً أن صندوق النقد والهيئات الدولية تشترط قيام لبنان بالتدقيقات المالية اللازمة وصولاً إلى الشفافية التي تعيد الثقة وتفتح باب الحصول على المساعدات”. ورأت ان “آن الأوان أن تكفّ بعض القوى والكتل النيابية عن سياسة النكدّ بحرمان اللبنانيين من الكهرباء”.

ورشة سريعة: وفيما بدا هذا الموقف التصعيدي كهربائيا موجّها الى زملاء التيار في الحكومة قبل خصومه، فإن الاوضاع المعيشية بلا معالجات بعد، وسيتعيّن على الحكومة فور نيلها الثقة، الشروع في ورشة عمل سريعة لرسم خطط اولية لمعالجة القضايا الملحّة التي ما عادت تحتمل تأجيلا وأبرزها الطوابير امام محطات المحروقات والانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي، والشح في الدواء، وذلك قبل ان تتفرّغ لمفاوضاتها مع صندوق النقد ولتهدئة تقلّبات الدولار…

وبينما لم تلمس البلاد نتائج شحنات الفيول العراقي ولا المازوت الايراني الذي وصلت دفعة جديدة منه مساء امس عبر سوريا، لم يبدّل رفع الدعم نهائيا عن المحروقات ولو في شكل مبطّن، امس، في المشهد على الارض اليوم. فالمواطنون وقفوا لساعات في صفوف لا تنتهي للحصول على البنزين وقد بقيت محطاتٌ كثيرة مقفلة لانها لم تستلم المحروقات او خوفا من الاشكالات. في هذا الاطار، أشار عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات، ​جورج البراكس​، إلى أن “كنا نحذر من أن نصل لوقت لا يتوفر فيه البنزين، والآن تم ​رفع الدعم​ وصدر جدول اسعار جديد”. وأكد، في حديث إذاعي أن “الشركات ستبدأ بالتوزيع، وهناك شركات تنتظر البواخر، وسيكون هناك تحسن الإثنين”. وعن المازوت الايراني، رأى البراكس أن “الكميات التي ستأتي من إيران ستسد حاجة صغيرة مثل المستشفيات، ولكن لن يكون بإمكانها تغطية كل القطاعات، أو أخذ دور الشركات المستوردة”. ولفت إلى أن “طالما البنزين لا يكفي حاجة السوق، فستظل الطوابير موجودة امام المحطات، والمطلوب حل وتحرير الاستيراد”.