الوصاية الدولية

كثر الحديث مؤخراً عن صيغ لتدويل الأزمة في لبنان ومنها أن يوضع تحت الوصاية الدولية، وقد برز ما كتبه رينو جيرار في “الفيغارو” عن إمكانية وضع لبنان تحت وصاية الأمم المتحدة تطبيقاً لميثاق الأمم المتحدة بالنظر لعجز مؤسسات الدولة في لبنان عن إدارة هذا البلد.

ينظّم الفصل الثاني عشر من ميثاق الأمم المتحدة وضع الأقاليم تحت الوصاية الدولية أما الفصل الثالث عشر فهو الذي يتضمن تنظيم عمل مجلس الوصاية. وقد أنشئ مجلس الوصاية كأحد الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة وأنيطت به مهمة الإشراف على إدارة الأقاليم المشمولة بنظام الوصاية الذي يرمي إلى تشجيع النهوض بسكان تلك الأقاليم وتقدمها التدريجي صوب الحكم الذاتي أو الاستقلال.

إن أهداف نظام الوصاية قد تحققت إلى درجة أنّ جميع الأقاليم المشمولة بالوصاية حصلت على الحكم الذاتي أو الاستقلال، إمّا كدول على حدة أو بالانضمام إلى بلدان مستقلة مجاورة. وعلّق مجلس الوصاية أعماله في العام 1994، بعد أن استقلّ آخر إقليم مشمول بوصاية الأمم المتحدة، وهو جمهورية بالاو Belau المكونة من مجموعة من الجزر في المحيط الهادئ.

وبالعودة إلى ميثاق الأمم المتحدة، فإنّ نظام الوصاية المذكور، لا يمكن تطبيقه على لبنان وذلك لسبب أنّ المادة 78 من الميثاق نصّت على أنه “لا يطبق نظام الوصاية على الأقاليم التي أصبحت أعضاء في هيئة الأمم المتحدة إذ العلاقات بين أعضاء هذه الهيئة يجب أن تقوم على احترام مبدأ المساواة في السيادة”.

لبنان إذاً عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة ولا يحقّ للمنظمة أن تفرض نظام الوصاية عليه. والمشكلة بالتالي ليست في نظام الوصاية، ولكن إذا كانت الإرادة الدولية موجودة فعلاً وتتّجه إلى “وضع اليد” على لبنان، فالنماذج أو السوابق ليست مطمئنة إطلاقاً. وفي هذا السياق سبق للأمم المتحدة أن أنشأت بعثات خاصة تحت الفصل السابع من ميثاقها للإشراف على أقاليم معينة، وهذا ما حصل سنة 1999 مثلاً في كل من كوسوفو وتيمور الشرقية، ولكن بعد سقوط مئات الآلاف من الضحايا.

أما في ما يتعلّق بالحديث عن اعتبار لبنان دولة فاشلة كمسوّغ لتدخّل الأمم المتحدة فيه، فإنّ الميثاق ينصّ من حيث المبدأ، على أنه ليس فيه ما يسوّغ للمنظمة أن تتدّخل في الشؤون الداخلية ‏لدولة ما. ولكنه ينصّ أيضاً على أنّ ‏هذا المبدأ لا يمنع تطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع.‏ وقد شهد القانون الدولي تطوراً كبيراً في مفهوم التهديد الذي يطال الأمن الدولي ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي لم يتوقف مجلس الأمن عن التدخل تحت الفصل المذكور في شؤون دول فاشلة شهدت نزاعات داخلية تخللتها مآسٍ إنسانية. ويبقى السؤال حالياً هل يمكن لمجلس الأمن أن يعتبر الوضع الحالي، أو المقبل، في لبنان تهديداً للأمن الدولي؟

المهم في الموضوع أنّ تزايد الحديث عن خيارات مماثلة يقابله في الداخل ذهاب إلى أقصى درجات اللامبالاة والغرق أكثر فأكثر في الأزمة الاقتصادية السياسية المالية الحياتية غير المسبوقة، ويترافق ذلك أيضاً مع الإمعان في تقديم براهين العجز الداخلي عبر تقويض عمل المؤسسات ولا سيما إشهار سيف الحصانات وتطويق التحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، ما يعزّز قناعة الخارج ويعطيه الزخم الذي يحتاج إليه للذهاب باتجاه وضع اليد الدولية على البلد في ظلّ يأس شعبي من الحلول الداخلية وحالة من التسليم لدى اللبنانيين بالحاجة إلى تدخل خارجي. أمّا من في يدهم السلطة في الداخل فإنّ غالبيتهم اعتادت العمل السياسي تحت وصاية خارجية وهذه الغالبية قد لا تمانع تدخلاً خارجياً أو وصاية جديدة إذا ضمنت البقاء في السلطة، وإن تحت الوصاية.

 

زياد شبيب-النهار