هل يتجرّأ فيصل كرامي على مخالفة “الإجماع السنّي”؟

هل يسعى فيصل كرامي الوريث السياسي لثلاثة رؤساء حكومة هم عبد الحميد ورشيد وعمر الى رئاسة الحكومة بعد نجاحه في دخول مجلس النواب رغم اختلاف الظروف السياسية الحالية لعاصمة لبنان الثانية، وبروز زعامات سياسية جديدة تمتلك عناصر قوة عدّة منها المال والعلاقات مع جهات داخلية وإقليمية نافذة؟ يعتبر متابعون له أن تموضعه السياسي الداخلي وإن من دون تطرّف يوحي وهو في شباب الخمسين أنه لا يكتفي بمقعد نيابي حصل عليه بواسطة أصوات الأوفياء للدوحة الكرامية كما بأصوات مؤيّدة لجهات لبنانية لا تلاقي سياستها ونهجها الداخلييْن والإقليمييْن ارتياحاً كبيراً لدى غالبية الطرابلسيين.

واشتراكه مع نواب زملاء له من طرابلس وخارجها في تأليف كتلة نيابية سمّوها اللقاء التشاوري وترأسّه له دليلٌ بارز على ذلك رغم التماسك الضعيف لأعضائها الناجم عن رغبة في المحافظة على قواعدهم الشعبية التي لا تنسجم مع سياسة الغالبية النيابية التي تنتمي إليها. وارتباطه بعلاقة صداقة وأحياناً تشاور مع الفريق الأقوى الممسك بمفاصل السياسة اللبنانية، وانفتاحه وإن المتأخر على جهات سياسية داخلية ذات توجهات وإنتماءات مختلفة، كما على مرجعيات دينية مهمة مثل البطريرك الماروني بشارة الراعي يدلّ بدوره على أنه يسعى لكي تكون له بصمة في السياسة اللبنانية من خلال النيابة وأيضاً من خلال رئاسة الحكومة. الى ذلك كلّه يعرف الطرابلسيون واللبنانيون أن للدوحة الكرامية إنجازات إجتماعية وتربوية في طرابلس أبرزها جامعة كبيرة ومهمة وجمعيات خيرية وأنصارٌ محدودو الدخل وفقراء وعاطلون عن العمل لا بد من الإهتمام بهم في مرحلة الإنهيار الحالي للدولة اللبنانية. والاستمرار في تقديم ما يلزم لمتابعة الإنجازات المذكورة يحتاج لا الى تحرّك داخلي فقط بل الى تحرّك إقليمي تأميناً للمساعدات المطلوبة.
في هذا الإطار جاء إنفتاحه على تركيا رجب طيب أردوغان واستعادة علاقة الدوحة الكرامية مع الدول العربية مثل مصر والمملكة العربية السعودية، ولكن من دون أن يؤثر ذلك سلباً على صداقته مع “حزب الله” وربما من خلاله للجمهورية الإسلامية الإيرانية. طبعاً لا يؤكد إنفتاح فيصل كرامي على تركيا ما تتداوله وسائل إعلام متنوّعة وصالونات سياسية عدّة عن وجودها السياسي وغير السياسي في عاصمة الشمال وعن سعيها عبر ذلك الى الى استقطاب سنّتها كما سنّة لبنان الذين يشعرون باليُتم جرّاء تخلّي الأشقاء العرب عنهم بسبب سيطرة إيران عبر إبنها “حزب الله” على مقاليد الأمور في لبنان. هذا أمرٌ يؤكّده تشجيع جهات لبنانية رسمية وأخرى قريبة من “الثنائية شيعية” النائب فيصل كرامي للإنفتاح على تركيا و”تبرئتها” إياها من رعاية المتشدّدين الإسلاميين في الفيحاء وفي لبنان كلّه.

هل يُمكّن النشاط المتنوّع والمستجدّ كرامي من الوصول الى رئاسة الحكومة في المرحلة الصعبة الراهنة ولا سيما بعد إخفاق الرئيس سعد الحريري في تأليف حكومةٍ جديدة رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على تكليفه؟ وهل هو مستعد للالتقاط كرة النار الحكومية في هذه المرحلة البالغة الصعوبة والخطورة وتالياً المجازفة بحرق نفسه بل وضعه ومستقبله السياسييْن؟ الجواب عن ذلك ليس سهلاً. فهو من جهة يقول كلاماً متناقضاً أحياناً عن هذا الموضوع فهو ينفي لأصدقاء له الرغبة في دخول السراي الحكومية في هذه المرحلة، لكنه يقول في وسائل الإعلام وإن على نحوٍ غير مباشر أن اعتذار الرئيس الحريري عن التكليف إذا حصل ربما يشجّعه على دخول هذا الميدان أو محاولة دخوله.
لكنه يعرف أو بالأحرى عليه أن يعرف أن القصة ليست قصة تأليف حكومة في ظروف طبيعية يحلّ هو فيها مكان رئيس مكلّف أخفق في تنفيذ تكليفه. بل هي قصة موقف سنّي شعبي شبه عام متمسّك بالحريري رئيساً للحكومة، وموقف سنّي مؤسّساتي وسياسي شبه شامل مماثل تمثله دار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى و”نادي رؤساء الحكومات السابقين”. هؤلاء متمسّكون بسعد جرّاء اقتناعهم بأن رئيس الجمهورية ووريثه في رئاسة “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يسعيان الى استعادة السلطة التنفيذية بالاستناد الى قوّة “حزب الله” بعدما حصرها “اتفاق الطائف” الذي أنهى الحروب في مجلس الوزراء مجتمعاً الذي يترأسه رئيس حكومة، والذي ترك الحرية لرئيس الدولة في حضور جلساته لكن حرمه حق التصويت فيه. فهل يستطيع كرامي في حال تطوّر الوضع في الاتجاه السلبي المذكور الخروج عن إجماع طائفته؟ وهل يُقدم رئيس الجمهورية و”وريثه” على إقناعه بذلك في حال احتاجا اليه؟ وهل اتصالهما به للتعزية في ذكرى استشهاد عمّه الرئيس رشيد كرامي تمهيدٌ للبحث معه في أمرٍ كهذا إذا اضطُرا الى ذلك؟ طبعاً لا يمتلك أحدٌ جواباً عن أسئلة كهذه إلا فيصل كرامي. فهو من بداية مشواره السياسي واستمراره فيه بنجاح يحتاج الى حسابات دقيقة جداً ومعرفة كبيرة بأوضاع الداخل والخارجين العربي والإقليمي فضلاً عن الخارج الدولي.

ماذا عن الدكتور نوّاف سلام الذي طُرح اسمه أكثر من مرة لتولّي رئاسة الحكومة بعدما أُجبر الرئيس حسان دياب على الاستقالة ولكن من دون تجاوب القوى الرئيسية؟ هل تتغيّر المواقف السلبية من سلام ويُقدم على تناول هذه “الأكلة المسمومة والقاتلة”؟

سركيس نعوم – النهار