عهد الشعب المحروق؟

لم يسبق في تاريخ الفساد، ان قيل في حفنة من الحكّام والمسؤولين الذين دمروا بلادهم وشعوبهم، ما قيل ويقال اليوم وكل ثانية، عن أولئك الذين يتسلمون مسؤولية حكم البلد ويتبجحون بالفضائل، لكنهم يدمرون لبنان ويلقون باللبنانيين وعائلاتهم كنفاية في المكبات وعلى طرقات القهر والموت، والأنكى انهم لا يسمعون ما قيل ويقال لهم وعنهم، ولا يلتفتون الى الشعب المذلول والمحتقَر والمتروك، فهم يقيمون في برج من الوهم والضياع وعدم الوعي وانعدام الحس والإدراك، واستطيع التأكيد انهم يستمعون جيداً الى نشرات الأخبار اليومية المعيبة والمخيفة بما تقدمه من فصول الكوارث التي تنزل بالناس، ولكن لا يرف لهم جفن ولا يقطرون خجلاً وعرقاً!

وعلى عكس ما يظن البعض، انهم يعيشون في عالم آخر ولا يدرون ماذا يجري، انهم يعلمون جيداً، لكن الأنانية المتوحشة والفردية الغبية تضرب في عقولهم الى درجة انهم صاروا في العمى الكامل وفي الوحشية الكاملة.

فعلى مَن يواصل سيّدانا البطريرك بشارة الراعي والمطران الياس عوده في كل كلمة ومع كل عظة، قراءة مزامير الإستقامة وحسّ المسؤولية واخلاق المسؤول، والذين يجلسون فوق عرش الكارثة لا يلتفتون ولا يسمعون ويواصلون غرز سكاكينهم المسمومة في جسد الشعب الذي ينازع؟

هل كثير مثلاً ان يقول الراعي يوم الأحد للمسؤولين الذي يعطلون تأليف الحكومة ونهوض الدولة “لقد عرفنا سياسة الأرض المحروقة لكننا معكم نرى في هذه الأيام سياسة الشعب المحروق. العالم كله ينتظر ليساعدنا لإنهاض الدولة، اما انتم فغارقون في لعبة جهنمية من الإنانيات والأحقاد وفي سوء التقدير والمحاصصة والمكاسب.

نعم البلاد ليست ملكية خاصة لكم كي تسمحوا لأنفسكم بتفليسها وتدميرها، وقد بتنا نتساءل فعلاً ما إذا كنتم مكلفين تدمير بلادنا. نعم ان الحلول موجودة وسبل الإنقاذ متوافرة، لكن هناك من يمنعون [والمقصود يمنعونكم] من تنفيذ الحلول كما يمنعون تأليف الحكومات، هناك من يريد إقفال البلد وتسلّم مفاتيحه [لقد اقفلوه يا سيدنا ويعلنون ذلك جهاراً والامور لا تحتاج الى توضيح] ولكن في النهاية هذه رهانات خاطئة. هذا بلد لا يسلّم مقاليده لأحد ولا يستسلم امام احد، وجذوة النضال في القلوب حية”… ولكن هل يفهم هؤلاء فعلاً معنى القول ان جذوة النضال تعتمل في النفوس وهي حية؟

وهل يحتاج فخامة الرئيس ميشال عون الى ان يقوم سيدنا عوده باستحلافه بأحفاده ان ينزل الى الشارع وان يستمع الى شعبه ويعاين الذل الذي يعيشه، أوَلم يعرف حتى الآن ان هناك من يموت جوعاً او مرضاً في عهده، وان الأطفال يعانون في عهده، وان المواطن في “شعب لبنان العظيم” يُهان في عهده؟!
وليس كثيراً قط ان يقولها عوده صراحة: اين الدولة من قرار فردي لرئيس حزب يُلزم الدولة كلها [والمقصود صهر الرئيس جبران باسيل] وماذا تفعل الدولة إذا قرر كل رئيس حزب التفرد بقراراته والتطاول على هيبة الدولة؟!

وهل من الضروري ان نصل الى وقت يقول النائب أنور الخليل صراحة ان عهدك يا فخامة الرئيس “فاشل وقد هدم هيكل لبنان الكبير ووضع لبنان امام خيارات لم نواجهها منذ زمن بعيد، هذا عهد أعاد لبنان الى مناخ وزمان الإقتتال الأهلي البغيض المصحوب بفرز مذهبي مقيت غير مسبوق”!
والسؤال في النهاية رغم كل هذا: هل قرأ الرئيس او سيقرأ وهل سيردّ وعلى ماذا وكيف وعلى أي أساس ومدلول؟

راجح خوري – النهار