الحتمية الموضوعية لدعم الحزب حليفه

لا يفترض بالدول الغربية لا سيما منها الاوروبية ابداء الاستغراب ازاء تمرد اهل السلطة في لبنان على تحذيراتهم لا بل تهديداتهم بعقوبات تطاولهم لا سيما في ظل التردد وعدم القدرة على التوافق اوروبيا على غير الحزم الذي تبديه الولايات المتحدة في هذا الاطار. فهذه الدول التي دعمت الشعب اللبناني في دعوته الى تغيير الطبقة السياسية في انتفاضة 17 تشرين 2019 باتت ترجو هذه الطبقة ان تؤلف حكومة وتوقف الانهيار وجوع الشعب وفقره من دون ان تلقى اي تجاوب. استطاع اهل السلطة ببراعتهم في المراوغة والمراوحة استنزاف الوضع الى درجة توسلهم من دول العالم لتأليف حكومة تنقذ الشعب اللبناني.وها هي الكتل السياسية نفسها تجهد لان تغدق على الفقراء اللبنانيين ببطاقة تمويلية بعد تبديد ودائع الناس.
هذه الدول التي وقفت ولحسابات مختلفة تتفرج على اعادة تأمين انتخاب بشار الاسد على رغم الاتهامات التي ساقتها ضده حتى لو انها تمسك بورقة عدم اعترافها بشرعيته حتى الان فيما تجرى مباحثات لكيفية التعاطي مع هذا الامر الواقع ومتى وقد فرضه مع حلفائه ايران وروسيا بانتخابه. او هذه الدول التي تفرجت ايضا من دون اي رأي فاعل او حاسم في انتخاب رئيس لايران لم ينف الاتهامات التي سيقت ضده بالاعدامات التي اشرف عليها لسجناء او نشطاء سياسيين فيما تستعد هذه الدول وتدفع من اجل العودة الى الاتفاق النووي مع طهران.
فاهل السلطة القائمون على الوضع الراهن والذين ينهلون من السياسة نفسها لحلفائهم يؤمنون بان الغرب لا يأبه او لا يتأثر الا بالقوة ويضطر ان يخضع لها في النهاية لاعتبارات متعددة. جرب الرئيس ميشال عون اخضاع الاميركيين وتغيير سياستهم ازاءه في العام 1989 من دون جدوى ويقوم بالامر نفسه راهنا من دون نجاح حتى الان لكن الاوروبيين يسهل الضغط عليهم اكثر نتيجة خوفهم من نزوح اللاجئين من لبنان او حتى نزوح اللبنانيين الى بلادهم مع عدم تجاهل الانتخابات التي قد يدفع الرؤساء الاوروبيون ثمنا لها كما برز في انتخابات المناطق اخيرا في فرنسا بالنسبة الى الرئيس ايمانويل ماكرون مثلا.
وبين انتخاب بشار الاسد في سوريا وابرهيم رئيسي في ايران يخشى ديبلوماسيون ان تكون ثمة رهانات على السعي الى تكريس توازن جديد في المنطقة يؤدي الى المزيد من التشدد في لبنان وليس العكس في ظل اعتقاد ان هذا المحور وعبر هذه المكاسب الكامنة عبر الحوار مع الاميركيين يمكن ان يحقق مكاسب بدوره سواء كان الامر يتعلق بتأليف حكومة جديدة او بتغيير اتفاق الطائف او التأسيس لامر جديد او بالاحرى للبنان جديد. فيما ان هناك انتظارات اخرى تتصل بمدى صدقية ايران في الانفتاح على المملكة السعودية وفقا لما قال الرئيس الايراني المنتخب ومآل ذلك ومدى استعداد واشنطن والدول الغربية لاستكمال التفاوض لاحقا بعد العودة الى الاتفاق النووي ام لا واذا كانت ستهتم باثارة موضوع لبنان الذي لا يحتل اولوية بالتأكيد لدى العاصمة الاميركية وهناك احباط هائل وخيبة من الطبقة السياسية ورهن نفسها للخارج ولكن ثمة شكوكا كبيرة بان تترك واشنطن لبنان ورقة لايران ليس محبة به ولكن لحسابات استراتيجية ولمصالحها في المنطقة، اقله وفق ما يعتقد الديبلوماسيون المعنيون علما انها فعلت في 2015 حيث تركت ايران لتقوم بما تريد في سوريا ولبنان. اضف الى ذلك ان الدول العربية لا تزال غائبة عن المشهد كليا ولم تظهر ادارة الرئيس جو بايدن استراتيجية ازاء حلفاء اميركا من الدول العربية لا سيما في خطأ عدم استخدام ورقة ادارج الحوثيين مثلا على قائمة الارهاب فيما تعجز واشنطن عن التصدي للمسيرات التي يطلقها هؤلاء على المملكة السعودية.

وبناء عليه، لم يعد احد يصدق بعدما خرج به رئيس التيار العوني جبران باسيل اخيرا لجهة تفويض الامين العام ل” حزب الله” السيد حسن نصرالله موضوع ” حقوق المسيحيين ” كما قال ان العقدة في تسمية وزراء او مجرد حصص. اذ قرأه متابعون ديبلوماسيون بانه ينطوي على خطورة كبيرة على المستوى الوطني كما على المستوى الطائفي عبر تكريسه ذمية مسيحية لزعيم طائفة وتثبيته فوق كل الطوائف والمرجعية او ولي الفقيه في لبنان، ولا يهم اذا كان اذى بذلك رئيس الجمهورية في ظل توزيع للادوار بين الاخير وصهره يفيد بتوليه المعارك السياسية بدلا منه او حتى على حساب موقعه وصلاحياته، فهذه مسؤوليتهما. ولكن مع التذرع بان مسألة تأليف الحكومة العتيدة تقف عند الاصرار على تسمية وزيرين مسيحيين من غير حصة رئيس الجمهورية، فانه في ظل وضع ” حقوق المسيحيين ” في عهدة الحزب كيف يمكن تفسير السعي الى ثلث معطل خاص به من دون الحزب فيما ان حلفهما الاستراتيجي قوي الى هذا الحد ولم لا يثق به من اجل المرحلة اللاحقة اذا ائتمنه على ” الحقوق ” فيما يدرك ان حصته ملغومة ان بالوزير الدرزي او الوزير الارمني حين يكون الامر جديا في مسائل معينة ويكون الحزب في مكان اخر عن مكان التيار علما انه يمكنه تعطيل الحكومة باستقالة الوزراء الشيعة فحسب وليس بالثلث المعطل او اكثر من الثلثين اذا احتسب التيار العوني معه. ومن غير المتوقع اطلاقا ان يترك الحزب حليفه المسيحي لاسباب متعددة يدركها باسيل ويبتز الحزب من منطلقها على خلفية ان الحزب يصبح من دون اي تغطية محلية وهو ورقته التي لا يمكنه التخلي عنها ولو ان مصالحه استراتيجية وابعد من مصالح التيار الداخلية ولكنه لا شك سيجزع من احتمال تقوية رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مقابل الوهن العوني المتزايد.
وحين يستعين حليف بحليفه ويستجير به فانه لا يتركه في ادبيات السياسة وغيرها مع علامة استفهام كبيرة عن اي توازن جديد يبحث كل منهما. لكن وكما يروي احد الديبلوماسيين العرب ان كلوفيس مقصود سأل مرة ياسر عرفات عن رأيه بالسلطة الفلسطينية فكان رده الصريح بانها ” صلاحيات بلدية تحت مسميات سيادية”.

روزانا بومنصف – النهار