عون والحريري ولبنان والسعودية

كما في حرب غزة كذلك في معارك لبنان السلطوية: كثير من القراءات السياسية، وقليل من التوقف أمام المآسي الإنسانية. حسابات الأرباح والخسائر في حرب غزة بالمعنى الإستراتيجي والجيوسياسي قابلة للأخذ والرد وليست نهائية، سواء بالنسبة الى فلسطين وإسرائيل أو بالنسبة الى الأطراف الإقليمية والدولية، وفي طليعتها إيران. لكن المعادلة الواضحة حتى الآن هي: إسرائيل خسرت ونتنياهو ربح. غزة خسرت وحماس ربحت. وحسابات الأرباح والخسائر بالمعنى السياسي في معارك لبنان متغيرة ومحكومة بالقدرة على توظيف الأرباح وتحمل الخسائر. لكن المعادلة الواضحة هي: لبنان خسر وأمراء الطوائف ربحوا. وأكثر الرابحين هم الفاشلون والقوة التي تقف وراءهم وتسهر على خلافاتهم وتسمح لهم بمشاركتها في اللعب بالأزمة والتلاعب باللبنانيين.

ذلك أن الصراع على السلطة والصلاحيات وحقوق الطوائف في بلد ينهار هو تمارين في العبث. فماذا يعني السجال القانوني والدستوري والسياسي، ونحن في هاوية عميقة تتراكم فوقنا أزمات مالية وإقتصادية وإجتماعية وسياسية؟ الى أين يقود التشاطر في الفقه الدستوري والقانوني وهو سهل ومطاط في لبنان؟ وما العمل حين يكثر الخبراء ويتراشقون بالتأويل والتفسير لمواد في دستور لو كان الإحتكام إليه هو الفيصل لما دخلنا في أزمات لا تتم تسويتها إلا من خارج الدستور؟

لا نقص في الأسئلة. النقص هو في الأجوبة الحقيقية، وسط طوفان من الأجوبة السطحية والفئوية والطائفية والمذهبية التي تغرق الأسئلة على طريقة “إغراق السمكة” حسب التعبير الفرنسي الشهير. والمشكلة هي الهرب من الحوار الى السجال. الحوار الصعب الذي يقود الى تنازلات متبادلة وتسويات وإصلاحات تحد من الفساد والغش وتسلط المافيا. والسجال السهل الذي يعمّق الأزمات ويضيف الجانب الشخصي الى البعد السياسي.

لكن الوقائع الحالية تفرض سؤالين يتطلبان الوضوح ضمن قراءة عميقة لقطع الشك باليقين. أولاً بالنسبة الى دور الحسابات والأمزجة الشخصية بين اللاعبين على واجهة المسرح السياسي في لبنان، وهي من طبائع الممارسات السياسية. وثانياً حول ما هو أبعد ومرتبط بالصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط وعليه. لماذا عمل رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري كل شيء، باستثناء الحوار العملي للإتفاق على تركيبة الحكومة والخطوط العامة لبرنامجها الإصلاحي؟ لماذا ساءت العلاقات بين العهد الذي إختار سيده أن تكون أول زيارة خارجية له بعد إنتخابه الى الرياض، وبين المملكة الأسرع من أية دولة الى مساعدة لبنان، وهي اليوم في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز أكثر إخوانه معرفة بلبنان وحباً له وصداقة لمثقفين وصحافيين وسياسيين لبنانيين؟

“كل شخص يريد الذهاب الى الجنة، ولا أحد يريد أن يموت”، يقول مثل أميركي. والواقع في لبنان، أن المسؤولين يدفعوننا، على الرغم منا، الى جهنم.

رفيق خوري-نداء الوطن