«صناديق الأسد» في لبنان «انفجرت» توتراً في الشارع و… السياسة

حجبتْ التوتراتُ والإشكالاتُ التي عمّتْ مناطقَ لبنانيةً أمس في يوم الانتخاباتِ الرئاسية السورية المخصّص للمقيمين في الخارج، ما عداها من عناوين وفي مقدّمها الأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج العربي التي عُطّل «صاعقُها» بتنحّي وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة، ومأزق تأليف الحكومة الجديدة الذي يُخشى أن تكون رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى البرلمان في شأن تكليف الرئيس سعد الحريري أشبه بـ «اللعب بالنار» فوق «برميل البارود» السياسي.

وفيما كانت الأزمةُ التي تسبّبتْ بها تصريحاتُ وهبة المشينة بحق السعودية ودول الخليج الأخرى تجد طريقها إلى الاحتواء على طريقة «إطفاء هذه الجمْرة» التي خرجتْ من تحت رماد العلاقات المأزومة مع لبنان ولكن من دون معالجةٍ شاملة تصحّح هذه العلاقات، باغتت بيروت التي كانت تستعدّ لـ «جلسةٍ حساسة» يعقدها البرلمان اليوم أقلّه لتلاوة رسالة عون، «هبّة» اعتراضٍ تركّزتْ في مناطق ذات غالبية مسيحية على مرور حافلاتٍ تقلّ سوريين للمشاركة بالانتخابات الرئاسية في سفارة بلادهم في اليرزة كانت تحمل الأعلام السورية وصور الرئيس بشار الأسد.

ومع اتساع حركة اعتراض هذه القوافل وتَعَرُّضِها لعملياتِ تحطيمِ زجاجٍ بالعصي قبل تسجيل مواجهاتٍ في بعض النقاط بين الطرفيْن أدت الى جرحى، استدارتْ «العدساتُ» عن الاهتزاز الأكبر الذي تعرّضتْ له العلاقاتُ اللبنانيةُ – الخليجيةُ منذ 2016 والذي ظهرّ «المَخْرجُ الطارئ» الذي اعتُمد لاحتوائه (بتنحّي وهبة وتكليف الوزيرة زينة عكر مهماته) ما كانت «الراي» أشارت إليه لجهة كونه «تضميدا موْضعيا» لجرْح عميق وفق ما عبّر عنه موقفان:

* الأول كلام وزير خارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في معرض إدانته «التصريحات العنصرية (لوهبة) التي لا تعبّر عن الشعب اللبناني، وأقل ما يقال فيها إنها غير ديبلوماسية» عن أن «هيمنة حزب الله على القرار السياسي تعطل أي إصلاح حقيقي، وتمنع تحقيق مستقبل واعد للبنان» وأن الرياض حريصة على «مستقبل هذا البلد، لكن عليه أن يجد السبيل لإنقاذ نفسه».

* والثاني للسفير السعودي في بيروت وليد بخاري الذي شدد في سياق تأكيد عدم وجود نية لترحيل أي مقيم لبناني على الأراضي السعودية وأنّ ما يشاع في هذا المجال ليس سوى «أكاذيب وتضليل»، على أنّ ما هو «أهمّ» من اعتذار وهبة وتنحيّه «إجراء مراجعة حقيقية للسياسات الخارجية اللبنانية».

ولم يكد لبنان أن «يلتقط الأنفاس» بإزاء التخفيف من سرعة هذه «العاصفة الديبلوماسية» حتى وَجَدَ نفسه يتلقى تشظيات الانتخابات الرئاسية السورية على واقعه الأمني والسياسي الذي اهتزّ مع صِدامات في أكثر من منطقة لبنانية بعد قيام شبانٍ وخصوصاً في منطقتيْ نهر الكلب (اوتوستراد جونية – بيروت) والأشرفية بمنْع مرور حافلات وسيارات ترفع صور الأسد، قبل أن تتوسّع رقعة الاعتراض إلى طرابلس والمنية والناعمة ومناطق أخرى.

وتداخلتْ مجموعة عوامل جعلتْ هذا التطور يكتسب دلالات مُقْلِقة رافقت مجمل النهار «الانتخابي» الذي مُدّد حتى منتصف الليل بفعل «الإقبال الكبير على الاقتراع» في السفارة التي تَقاطَرَ إليها عشرات الآلاف.

وأبرز هذه العوامل:

* المخاوف من انزلاق التوترات من لبنانية – سورية إلى لبنانية – لبنانية، وفق ما عبّرت عنه تصريحات عدة لمؤيدين للنظام السوري حذّر بعضها من أنه «إذا كانت القوى الأمنية غير قادرة على حماية الطرق والناس فهناك قوى قادرة أن تلم الزعران خلال ساعات. خيارنا الدولة إذا كانت قادرة وإلا سندعو القوى الوطنية للنزول الى الشوارع وحسم الأمر» (وفق ما غرّد الوزير السابق وئام وهاب).

وجاءت هذه التحذيرات بعدما كان السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي اعتبر «أن الاعتداء على الناخبين السوريين مؤلم، ونضعه برسم السلطات المعنية في لبنان»، لافتاً إلى أن محامي السفارة في صدد رفْع دعاوى بحق المعتدين، وذلك في موازاة إعلان وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال رمزي المشرفية أنه أجرى اتصالات برئيس الحكومة حسان دياب، السفير السوري ورؤساء أجهزة أمنية وعدد من المنظمات الدولية المعنية معرباً عن «استنكاره لكل التعديات الحاصلة وغير المبررة»، وداعياً المعنيين إلى «اتخاذ الإجراءات القصوى لحماية الإخوة السوريين الذين يمارسون حقّهم الشرعي بالمشاركة بالانتخابات الرئاسية لبلدهم»، ومعتبراً «أن حمايتهم هي أولوية لدينا».

* «انفجار» هذه الأحداث ومعها ملف النزوح السوري مجدداً داخل «البيت المسيحي» وتحديداً بين «التيار الوطني الحر» (فريق رئيس الجمهورية) وحزب «القوات اللبنانية» الذي كان رئيسه الدكتور سمير جعجع ربط عشية اليوم الانتخابي بين مشاركة النازحين السوريين بالانتخابات الرئاسية تصويتاً للأسد وبين سقوط صفة النزوح عنهم قائلاً «إن تعريف النازح واضح ومتعارف عليه دولياً وهو الشخص الذي ترك بلاده لقوة قاهرة وأخطار أمنية تحول دون بقائه فيها، وبالتالي نطلب من رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال إعطاء التعليمات اللازمة لوزارتي الداخلية والدفاع والإدارات المعنية من أجل الحصول على لوائح كاملة بأسماء من سيقترعون للأسد، والطلب منهم مغادرة لبنان فوراً والالتحاق بالمناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في سورية ما داموا سيقترعون لهذا النظام ولا يشكل خطراً عليهم».

وفيما أكمل نواب من «القوات» وقياديون في أحزاب أخرى مناهضة للنظام السوري هذا المسار باستحضار بنود من اتفاقية جنيف الدولية الخاصة باللاجئين (1951) وفيها «يخسر صفة اللاجئ وتتوقف الاتفاقية عن التطبيق بحقّه، اللاجئ الذي لم يعد يخاف من سلطة موطنه الأصلي»، بالتوازي مع هاشتاغ على موقع «تويتر» بعنوان «بتحبو رجاع لعندو (الأسد)» وسؤال ناشطين «كيف يصوّت نازحون لمَن هجّرهم»، خرج رئيس «التيار الحر» جبران باسيل متوّجهاً إلى «القوات» ومناصريها من دون تسميتهم في تغريدة قال فيها: «عندما قلنا بعودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين، قلتم إنّنا عنصريون، وعندما تضربون نازحين مسالمين ذاهبين للتصويت في سفارة بلدهم وتعتدون على أمانهم وكرامتهم، نقول عنكم إنّكم نازيّون».

وعلى وقع هذه المناخات والخشية من تَمَدُّد التوترات، عزّز الجيش انتشارَه في النقاطِ الساخنة على وقع تسجيل بعض التحركات في الشارع اعتراضاً على الاعتداءات على السوريين، وهو كان قَطَعَ الطريقَ المؤدّية إلى السفارة السورية بالقرب من وزارة الدفاع، وتولى التفتيش الدقيق بالتنسيق مع المعنيين في السفارة السورية، لإدخال الناخبين ضمن مجموعاتٍ لا تتعدّى 50 شخصاً، حِرْصاً على إجراءات الوقاية من وباء «كورونا» وتحقيقاً للتباعد الاجتماعي.

وفي موازاة ذلك، كانت بيروت تشهد محاولاتٍ لتفادي تَحَوُّل جلسة البرلمان اليوم «منصة تفجير» سياسي تشكل ضربة قاضية على أي محاولات لإيجاد مخارج من الأزمة الحكومية المستحكمة التي زادتها الرسالة الرئاسية تأجُّجاً، وسط اقتناعٍ بأن خلاصتها محكومة بعدم وجود أي إمكان دستورياً لوضع حدّ لتكليف الحريري، وفق الدعوة التي تُقرأ بين سطور الرسالة.

وفيما سادت معلومات عصر الخميس عن أن جلسة اليوم سيتخللها فقط تلاوة رسالة عون على النواب من دون فتْح المجال لمناقشتها التي ستحصل في جلسة ثانية الأسبوع المقبل يُنتظر أن يقوم خلالها الحريري بتقديم ردّ مفنّد على ما تضمّنتْه الرسالة التي اعتبرها رؤساء الحكومة السابقون في مضمونها «انقلاباً على الدستور»، فإن أجواء تحدثت عن مساعٍ سيبذلها بري لتلافي «تَطايُر» المناقشات الحامية بحال حصول «تقاصُف» ما يزال متوقّعاً بين فريقيْ عون والحريري الذي تعتبر دوائر متابعة أنه سيستفيد حكماً من رمي عون الكرة في ملعب مجلس النواب أقله لـ «تجديد الثقة» النيابية بتكليفه، وسط تقارير تتحدّث عن توجُّه من رئيس البرلمان لإصدار توصية تُزاوِج بين أمرين:

– الأول «حماية» التكليف المصان دستورياً والذي تطول شظايا أي مساس به دور مجلس النواب اذ تشكل ما يشبه «مدّ اليد» على صلاحياته التشارُكية بالتكليف انطلاقاً من الاستشارات النيابية المُلْزِمة.

– والثاني الحضّ على الإسراع بتشكيل الحكومة وإصدار مراسيمها بالتوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وفق ما ينص عليه الدستور.