أسطوانة القوات “مش معلقة”… لهذه الأسباب نريد الانتخابات

جورج حايك

ينتقد البعض إصرار “القوات اللبنانية” على المطالبة مراراً وتكراراً بالانتخابات النيابية المبكرة، ويعتبر أن مشروعها لأهداف سياسية ضيّقة، فيما الحقيقة أن قيادة القوات بعد بحث وتدقيق وجدت أن الانتخابات النيابية المبكرة هو حل وطنيّ واقعي على الإطلاق، ينقذ لبنان من الكارثة السياسية والاقتصادية والمالية التي يتخبط فيها نتيجة سيطرة أكثرية نيابية موالية لإيران عليه، تقوده من مصيبة إلى أخرى، وعلى مدار الساعة، لذا من الضروري أن يتحلّق جميع اللبنانيين المخلصين والتغييريين حول مشروع القوات لمنع الانزلاق إلى الانهيار الكبير وقبل فوات الأوان!

وليس صعباً الاطلاع على أسباب تمسّك القوات اللبنانية بالانتخابات النيابية وردّها على كل التساؤلات والانتقادات التي تطاولها جراء مطالبتها بها وهي على النحو الآتي:

أولاً، ثمة من يقول إن الوضع في لبنان لا يسمح بإجراء انتخابات نيابية، لا سيما بسبب افلاس الدولة وعدم توفّر امكانات لإجرائها، لكن الحقيقة معاكسة، فالوضع في لبنان يحتاج إلى تغيير والاستمرار على هذا المنوال سيؤدي إلى كارثة، أما مسألة الامكانات المادية للدولة فيمكن حلّها إذا توفّرت الإرادة الطيبة من خلال مساعدات مالية من الدول الصديقة التي لن توفّر فرصة لإنقاذ لبنان من وضعه وانتشاله من الكارثة التي وضعته فيها الأكثرية الحاكمة.

ثانياً، كل الدول الديمقراطية التي تواجه أزمات مستفحلة وتختلف فيها القوى السياسية أو تحصل فيها ثورات شعبية، تلجأ إلى الانتخابات النيابية وتعود إلى خيارات الشعب مصدر كل السلطات، ولبنان ليس في كوكب آخر إنما ينتمي إلى المنظومة العالمية من خلال وجوده في الأمم المتحدة، وما تفعله الدولة المنضوية تحت راية الأمم المتحدة ينطبق على لبنان، وبالتالي لا مفر من الانتخابات النيابية حتى ولو ذهبت القوى السياسية للمشاركة في مؤتمر وطني برعاية الأمم المتحدة فستكون الانتخابات النيابية جزءاً من الحل، إضافة إلى أن الانتخابات هي الحل الواقعي والسريع الذي يجنبنا الفوضى والحروب.

ثالثاً، هناك من يعتبر أن القوات تهدف من خلال هذه الانتخابات إلى زيادة عدد نوابها. على الرغم من أن هذا حقها بل من حق كل القوى السياسية أن تطمح إلى ذلك في بلد ديموقراطي، لكن من قال إن القوات تضمن النتائج؟ هذا الأمر يعود إلى الشعب وحده، والانتخابات ستفسح المجال أمام كل القوى السياسية حتى قوى السلطة لاستكشاف شعبيتها ومدى صوابية طروحاتها السياسية، ومن البديهي بعد ثورة شعبية انطلقت في 17 تشرين الاول 2019 وتغيّر المزاج الشعبي، أن نسمح للناس باختيار ممثليهم. علماً أنه من الطبيعي أن ترفض هذه الأكثرية اجراء انتخابات نيابية، بل ستهرب منها لمعرفتها بتغيّر المزاج الشعبي مما سيفقدها أكثريتها!

رابعاً، هناك من يرى بمطالبة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع بانتخابات نيابية طموحاً رئاسياً، وحتماً هذا الاعتقاد غير واقعي، على الرغم من أنه حق لجعجع أن يصل إلى رئاسة الجمهورية بالطرق الدستورية، لكن من يطمح إلى الرئاسة يعمل على تمتين الروابط مع كل القوى السياسية، لا انتقادها ومواجهتها وفضحها سياسياً، إضافة إلى أن لا أحد يضمن أن تكون القوى السياسية الفائزة في الانتخابات متحالفة مع القوات، وستقبل بانتخاب جعجع رئيساً، وبالتالي هذا عذر أقبح من ذنب للهروب من العملية الانتخابية لا أكثر ولا أقل.

خامساً، من الأعذار التي تُطلق من بعض القوى السياسية أن القانون الانتخابي الحالي غير ملائم ولا يرضي طموحات اللبنانيين وتسعى إلى طرح قوانين بديلة، لكن هذا الكلام غير بريء ولعدة أسباب: أولاً، لا يمكن تغيير قانون انتخابات في كل دورة انتخابية، فهذا يؤدي إلى ضرب استقرار الحياة السياسية الديمقراطية. ثانياً، تطلب الاتفاق على هذا القانون أعواماً عدة ونقاشات طويلة. ثالثاً، يشكّل هذا القانون حلّاً وسطياً واقعياً اتفقت عليه أكثرية القوى السياسية ولم يصلوا إلى الاتفاق على قانون آخر، وبالتالي علينا اعتماد القانون القابل للتنفيذ ولو كان غير الأمثل. رابعاً، ما يطرحه البعض كقانون خارج القيد الطائفي أو لبنان دائرة واحدة وغيرهما، كلها قوانين تصب في إطار الديمقراطية العددية التي تعطي الفوز للطائفة الأكثر عدداً للتحكّم بنواب الطوائف الأخرى، وهذا ما لا ينسجم مع التعددية في لبنان، ولا يعكس حسن التمثيل وعدالته، بل يضرب كل العملية الانتخابية وأهدافها الديمقراطية وخصوصاً في ظل حزب يحمل السلاح ويسيطر على ارادة الناس بالطرق غير الشرعية، لذلك من المستحسن تطوير القانون الحالي ليصبح أكثر انسجاماً مع الواقع اللبناني التعددي ويعزز المناصفة الحقيقية.

سادساً، يلقى طرح القوات اللبنانية للانتخابات النيابية المبكرة ترحيباً من الشعب، إنما تعارضه معظم القوى السياسية التي تتحكّم بالأكثرية وخصوصاً التيار الوطني الحر وحزب الله، وهذا أمر طبيعي، إذ يرفضان هذا الطرح لعلمهما مسبقاً بخسارة الأكثرية في حال أجريت الانتخابات، مما سيحرر لبنان من هيمنة إيران ويعيده إلى المجتمعين العربي والدولي، مع سلطة جديدة تمسك بالقرار اللبناني الحر، تجري الإصلاحات الضرورية وتنقذ لبنان من الإفلاس.

سابعاً وأخيراً، يتنطّح البعض ليقول إن أي أكثرية جديدة ستأتي نتيجة الانتخابات ستقع في فخ ما وقعت فيه قوى 14 آذار بفعل ضغط حزب الله وترهيبه، لكن هذا ليس بشرط أساسي، والقوى السياسية التي ستفوز بالانتخابات تعلّمت كثيراً من الماضي وهي ستضم وجوهاً جديدة تغييرية ستتعامل مع الظروف المقبلة بعقليّة جديدة حتى ولو اضطرت إلى المواجهة السياسية الصارمة مهما كلّفت من تضحيات لأن لبنان مهدد بالزوال، ولا يجوز الاستسلام أمام الترغيب والترهيب، ولا شك أن القوى السياسية التي ستفرزها الانتخابات ستحمل وكالة شعبية، لتلزم الأقليّة بالرضوخ للأكثريّة حتى ولو هوّل بالسلاح، وهذا معبر ضروري لإخراج لبنان من أزمته، ماذا وإلا سيكون المصير كارثياً!