هل سيبيع باسيل روسيا مرونة ما؟

في التطورات المتواصلة منذ نهاية الاسبوع الماضي على ضفاف القضاء وسلطته، يقف التيار العوني وحيدا في الواجهة في ما يؤول اليه البلد دفعا نحو المزيد من التفكك والانهيار من دون اي مسؤولية للخصوم التقليديين او المفتعلين فيما تقف كل القوى السياسية الاخرى متفرجة على ما تعتقد انه انهاء التيار نفسه بنفسه من خلال الاعتقاد انه يعوم نفسه. سيتحمل وحده في نهاية الامر دفع البلد عن طرف الهاوية الى القعر حتى لو لم يكن وحيدا مسؤولا عن وصوله الى طرف الهاوية ، ولكن انهيار البلد سيكون بين يديه وعلى عاتقه في نهاية الامر. اذ يكتسب الاصرار على اقتحام شركة ميشال مكتف بالطابع الانتقامي الشخصي والخاص لاعتبارات غير مفهومة يصلها البعض بالصحيفة التي تعود ملكيتها الى مكتف ويصلها البعض باعتبارات انتقامية اخرى ، لكن لا صلة لها بالقضاء حتى لو تم التسليم جدلا بان القضية محقة ما دامت مدفوعة بفريق يمارس نفوذه وتعديه على حقوق المواطنين باسم القضاء او تحت لوائه .
فالتيار في ازمة كبيرة ويعبر عنها اداؤه المتوتر والاشبه بالميلشيات التي كان هو يضع نفسه فوقها فحسب. فهذه قضية خاسرة له في نهاية الامر حتى لو ربحها في ظل تحكمه بالقضاء او تجاوز سلطته. ويزيد من وطأة التخبط الدراماتيكي الزيارة التي يقوم بها الرئيس سعد الحريري الى الفاتيكان ولقائه البابا فرنسيس في تقليد لعائلة الحريري في زيارة الكرسي الرسولي من جهة وتأكيد التواصل والشركة التي كان اطلقها الرئيس رفيق الحريري مع المرجعية المسيحية الاولى في العالم من جهة اخرى وواصلها نجله بحيث تشكل زخما معنويا لا يمكن تجاهله. فهذا سيدحض على مستوى خارجي وليس فقط على مستوى محلي منطقا متكاملا يبني عليه التيار معركته حول التعدي على الحقوق والصلاحيات وما شابه. وفيما يقف سياسيون عونيون بارتباك كبير ازاء ما يحصل غير قادرين على تبرير او تفسير ما يحصل ازاء المسؤولية التاريخية التي سيواجهها التيار ازاء ما سيتبقى من البلد، لا يخفي البعض من هؤلاء اعتقادهم ان رئيس التيار جبران باسيل يعلق امالا على زيارته المرتقبة الى روسيا. ثمة اعتقاد بان باسيل قد يكون راغبا في محاولة بيع روسيا اي مرونة يبديها ردا على العقوبات الاميركية عليه وكرسالة الى الاميركيين وفي الوقت نفسه سيما في ضوء استقباله من وزير الخارجية سيرغي لافروف في اطار تعليق الامال على ان روسيا يمكن ان تساعده على مستويات متعددة . لكن في النهاية اذا رغب ان يبيع اي شيء فيما هو قلق ومتوتر وفق ما يكشف متصلون به لان انهيار البلد سيقع بين يديه ، فمن المهم ان يكون لدولة مؤثرة انما لدولة تكون مستعدة لان تشتري ما يعرض عليها. وهذا ما يخشى ان روسيا قد لا تكون في وارده لاعتبارات متعددة تتصل ايضا بعلاقاتها وتنسيقها مع دول عربية مؤثرة وعدم رغبتها في تجاوز ديبلوماسية رضائية ومصلحية في اتجاهات متعددة ولو انها لا تمانع تظهير معارضتها لواشنطن من خلال استقبالها باسيل من وزير خارجيتها.

يقارن سياسيون بين الاتجاهات التي ذهب اليها كل من لبنان والعراق بعد انتفاضة تشرين الاول 2019 التي قامت في لبنان وقامت اخرى في موازاتها في العراق في الوقت نفسه واعتبرتهما ايران موجهتين ضدها وغير بريئتين وتعبيرا عن غضب شعبي من سوء ادارة كل من الدولتين وفساد الطبقة السياسية في كل منهما. اذ يتطلع اللبنانيون بغيرة الى ما انجزه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ان على صعيد تأمين عقد اجتماع في العراق بين المملكة السعودية وايران او على صعيد الاستراتيجية العراقية مع الولايات المتحدة او التلاقي مع الاردن ومصر والمملكة السعودية والاستعدادات لاستثمارات بملايين الدولارات في العراق. المسار مختلف في لبنان الذي كان يمكنه ان يلعب دورا حياديا مماثلا فيما ان النفوذ الايراني يشكل واقعا في العراق تماما مثل لبنان وهو قبل بما يقوم به العراق من انفتاح على الدول العربية فيما ثار ” حزب الله” على البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يتطلع الى دور مماثل للبنان فلا يكون مع اي طرف او محور لا بل خونه كذلك . وهو سؤال يفترض ان يطرح على الحزب في هذا الاطار من اجل ان يفسر هذا التمييزفي المقاربة ولماذا قد يمنع على لبنان واقعا مماثلا.. ومع ان هذا الدور هو المطلوب للبنان منذ بداية العهد الحالي، ولم يقم به ، وكان لا يزال ممكنا حتى الامس القريب بحكومة اختصاصيين مستقلين تنأى بلبنان عن لعبة المحاور، فان محاربتها ومنع تأليفها اوصلا البلد الى اسوأ ما يمكن ان يشهده، في ظل توسل دول خارجية القوى السياسية من اجل تأليف حكومة تمكن لبنان من الحصول على المساعدات التي تجمد الانهيار وتعيد وضع لبنان على سكة الانقاذ انما من دون جدوى.

يخشى سياسيون ان تختلف المقاربات الدولية كما الداخلية ازاء الواقع الراهن في ضوء درامية الايام الاخيرة . يسأل هؤلاء هل في الامكان بقاء القوى السياسية تتفرج على اغراق البلد وانهائه وهل سيكفي التحصين الاجتماعي للقواعد فحسب ام ان هناك استدراجا لهذه القوى او دفعا لها الى مكان اخر. اذ ان الموقف الذي اعلنه نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي من مرحلة انتقالية طالب بها بالجيش لقيادة البلد تشكل رسالة في حد ذاتها قد تجد صدى لها وان مشذبة او غير كاملة لاعتبارات او تحفظات كثيرة لا مجال للدخول فيها في هذا السياق او تعبر عن صدى ما، فتوضع على الطاولة بعدما تجاوز الوضع الموضوع الحكومي الذي كان يدور الخلاف حوله خلال الاشهر الماضية الى ما سينتهي اليه البلد اذا لم يتم التجاوب مع المنحى الذي يريده العهد. ولكن ما وصلت اليه الامور قد تجعل المقاربات السابقة مستحيلة وكذلك التسويات السابقة كما كانت مطروحة.

 

روزانا بومنصف-النهار