“القوات” وسلوك “التيار” القضائي… “السوريّون كانوا أذكى”

لا يزال “تمرّد” القاضية غادة عون حديث الناس والقوى السياسية لأن ما قامت به شكّل عملاً غير مسبوق في تاريخ القضاء اللبناني.

في العهد القوي كل المؤسسات القوية تتساقط، المرفأ، المدارس والجامعات، المستشفيات، المصارف، المؤسسات السياحية والتجارية والخدماتية، ووصلت اليد إلى القضاء، فبيروت “أم الشرائع” تحوّلت المؤسسة القضائية فيها في نظر الداخل والخارج ساحة لتبادل الرسائل السياسية والتمرّد، وكأنّ لا رادع قانونياً أمام الفريق الممسك بالسلطة منذ خريف 2016.

وإذا كان تصرّف القاضية عون واقتحامها مكاتب شركة “مكتّف للصيرفة” أثار حفيظة الجميع، إلاّ أن لـ”القوات” نظرة خاصة إلى كل ما حصل في عوكر وصولاً إلى قصر العدل.

وفي القراءة القواتية، فإن الحزب يشير إلى وجود تمايز بين ما كان يحصل إبان فترة الإحتلال السوري وما يحصل خلال العهد الحالي، ففي الزمن السوري كان هناك وضع يد على كل مؤسسات الدولة ومن ضمنها القضاء اللبناني حيث كان يوظّف النظام السوري وأدواته في لبنان هذا القضاء باستنسابية لتحقيق أهدافهم ومآربهم، ولكن هذا النظام كان يستخدم كل مؤسسات الدولة بشكل ذكي بمعنى أنه يزوّد الجسم القضائي بمعلومات مضللة وتقارير أمنية مفبركة من أجل أن يُصدر أحكاماً تناسبه، وذلك إنطلاقاً من تلك التقارير المفبركة، وبالتالي كان حريصاً على الشكل من أجل أن يوحي للخارج بأن ممارسة هذا القضاء صحيحة وحقيقية.

أما ما يحصل اليوم فهو ضرب للشكل، حيث أن هناك قراراً قضائياً بكفّ اليد يُفترض بالقاضية عون أن تنفّذه أو ترفضه لكن ضمن الأصول القانونية والقضائية، فبدل سلوك الطرق القانونية للإعتراض حصل تمرّد من قبل عون، والذي يُذكّر بالتمرّد الذي حصل بين عامي 1988 و1990 أثناء تولّي العماد ميشال عون رئاسة الحكومة الإنتقالية، وقد بُررت تصرفات الجنرال حينها بأننا كنا في مرحلة حرب، في حين أن ما تفعله القاضية عون من تمرّد يضرب أُسس المؤسسات ويدمّرها.

والسؤال الذي يطرحه حزب “القوات” بشكل بديهي هو “ما الهدف الأساس من تمرّد القاضية عون؟”.

ففي نظر “القوات”، أن هناك جزءاً من تمرّدها يدخل ضمن إطار التشفّي والنيل من الخصوم واستعمال أجهزة الدولة الأمنية والقضائية، من أجل محاولة تحطيمهم وتشويه صورتهم، لكن هذا الأمر جزء ممّا حصل، أما الجزء الآخر والذي يُشكّل الهدف الأساسي للعهد وحلفائه وعلى رأسهم “حزب الله” هو ضرب مؤسسة القضاء وإعطاء إشارة الى أن الدولة تتحلّل بمختلف أجهزتها ومؤسساتها.

وبالنسبة إلى الهدف من وراء هذا التحلّل بحسب “القوات” فهو سقوط الدولة، فالعهد و”التيار الوطني الحرّ” أدركا أن الإنقاذ غير ممكن عبر تشكيل حكومة لن تتألف بشروطهما، فبدل أن يتحمّل العهد أمام الناس والله والتاريخ مسؤولية بعض أفعاله التي أوصلت البلاد إلى الإنهيار والكارثة نراه يأخذ البلد إلى اتجاه آخر، أي إلى الإنهيار الكامل للمؤسسات، ويحاول الإستفادة من هذه الكارثة عبر الترويج أن الطرف الآخر لا يريد الإمتثال للقضاء، علماً أن الأولوية للإنقاذ.

وتُشددّ “القوات” على أن الصورة القضائية التي مثّلتها القاضية عون بشعة للغاية ومقصودة من أجل إيصال القضاء إلى هذا المستوى، في حين أنّ تحلّل الدولة يؤدّي إلى حرف الإهتمام عن تحميل المسؤولية للفريق الذي أوصل الأمور إلى هذا الإنهيار، وتعبئة جزء من شارعه واستنهاضه دفاعاً عن حالة تمرديّة والذهاب إلى الفوضى التي تلهي الناس وتدمّر البلاد.

وتؤكّد “القوات” رفضها لكل ما يحصل قضائياً، وتدعو إلى التفكير بمخارج، فاذا كان لا يوجد حكومة ولا أمل بتأليفها وكل الوساطات الداخلية والخارجية وصلت إلى حائط مسدود، وإذا كان الإنهيار يتواصل بوتيرة متسارعة، فهناك خيار من إثنين: إما الوقوف والتفرج، و”القوات” ترفض هذا التصرّف، وإما الإصرار على إنتخابات نيابية مبكرة من أجل تغيير الأكثرية الحاكمة وتأليف حكومة جديدة، خصوصاً أن دعوة “القوات” إلى انتخابات مبكرة بدأت تلاقي آذاناً صاغية من أفرقاء كثر ومنهم من لا يلتقون معهم بالسياسة، فإعادة إنتاج سلطة قد تؤدي إلى فرملة الإنهيار والمساعدة على إعادة عمل المؤسسات كما كانت في عزّها.

ألان سركيس-نداء الوطن