إحذروا فرك ايديكم!

قد لا يكون مثيرا للدهشة ان تقبع القوى السياسية متفرجة وفي موقع الترصد على اشتباك قاتل يتهدد القضاء والجهة السياسية المنخرطة في حرب تقويضه بلا هوادة. ذلك ان طبيعة المرحلة التي انتهى اليها العهد هذه النهاية المفجعة باتت تقدم المعركة الرئاسية المبكرة وكأنها حاصلة غدا، كما تطغى على هواجس الحليف الوحيد للعهد “حزب الله ” حيال استحقاقات الانهيار المتسارع. في ظل الانكفاء اللافت العميم لمعظم القوى السياسية، تغدو الساحة مشرعة لأسوأ مواجهة عرفها لبنان بين الجهة السلطوية الحاكمة والقضاء كلا، والتي يسخر فيها عنوان مكافحة الفساد وتهريب الأموال لأهدافها الحقيقية المتصلة بتصفية خصوم العهد. ولكن باب الخطورة في تداعيات الانهيار الإضافي الذي سيترتب على هذه المواجهة لن يقف عند عتبات السلطة القضائية فقط وانما بدأت “إشعاعاته” الأخطر تتسع في اتجاهات نخشى ان ضيق افق القوى السياسية المتفرجة بدوافع توظيف الانهيار لمصالحها من دون اتخاذ المواقف الحاسمة التي يمكن ان تشكل رادعا للجنون المتفجر ستشكل مساهمة خطيرة للغاية في انفجار لا يتصوره كثيرون.

والحال ان الهجوم “السياسي” وليس من جهة قضائية ابدا الذي يرعاه تيار العهد بهذه الطريقة المريعة على القضاء قدمت “في الباطن” الخدمات غير المتصورة لخصوم العهد من القوى المسيحية وغير المسيحية قاطبة لجهة بدء الحفر العميق لحسابات انتخابات الرئاسة ما دام الهجوم على القضاء كشف عمق التخبط الهائل داخل البيئة العونية رئاسيا وحزبيا.

وفي المقابل فان”حزب الله” الملتزم تحفظا غير مسبوق حيال أي تطور داخلي راهنا ينصرف بكليته واكثر من أي جهة أخرى لانجاز اضخم استعداداته لإقامة بنية الطوارئ الكاملة في مناطق نفوذه وربما أوسع تحسبا للانهيار الكبير الآتي.

في خضم هذا الواقع المخيف الذي يزحف على لبنان لا نغالي ان خشينا على نحو مبكّر جدا من ان “تتحور” معالم الفوضى التي تدب في كل أوصال البلاد الى فتنة طائفية نزعم جميعا انها لم تعد واردة فيما هي تزحف بدأب محمولة بكل هذا العمى العصبي والانفعالي الذي يستثمر مآسي الناس وفقرهم وغضبهم لتحقيق المآرب الرخيصة.

ان الصمت العميم عن الحفر في الازمات والاشتباكات المفتعلة على نحو يومي والاكتفاء بفرك الايدي ابتهاجا بسقوط العهد في أسوأ مهالكه سيجعل الشامتين شركاء مضاربين في الزحف نحو فتنة وليس فقط نحو انفجار الفوضى. بعد ستة اشهر من ازمة تشكيل الحكومة لن يردع أي شيء تداعيات توظيف الانسداد في اشعال العصبيات الطائفية ما دامت المهمات الإصلاحية للحكومة الموعودة اختفت وتلاشت امام صعود الشعبوية الطالعة باسم حقوق المسيحيين.

بين هذا الاشتباك المفتعل بنار العصبية التي يراد لها ان تعوم خسائر العهد وتياره والاشتباكات الاوسع التي تتهيأ لها القوى المسيحية الأخرى في حسابات معركة رئاسة الجمهورية لا ندري متى ومن سيردع الاستثمار الطائفي الذي سيتداخل مع مآسي الناس كما هو حاصل الان في المشهد المقزز. وفي ضفة القوى غير المسيحية لا نرى ما يطمئن الى ضمانات تمنع خطر الفتنة الزاحفة ما دامت ازمة تعطيل تشكيل الحكومة بكل ما تنذر به من أخطار تقترب من المجاعة لا تواجه بما يسقط أقنعة تحالف القوى المعطلة. اياكم “والوهم ” ان الفتنة ليست على الباب!

 

نبيل بومنصف -النهار