واشنطن تحذّر رعاياها: الحزب قد يشنّ هجمات وإسرائيل قد تُهاجم لبنان


مِنَ الطّبيعي أن تُصدِر دولٌ كبرى كالولايات المُتحدة الأميركيّة تحذيرات إلى رعاياها من وقتٍ إلى آخر، لتجنّب زيارة بلدٍ أو رفع القيود أو تخفيفها بناءً على تقييم الأوضاع السياسية والأمنيّة وغيرها. لكن كان لافتًا في الآونة الأخيرة زيادة الخارجيّة الأميركية منسوب تحذير رعاياها من السّفر إلى لبنان لعوامل تتعلّق بالجريمة والإرهاب واحتمال نشوب حرب مع إسرائيل.

تتدرّج “نصائح السّفر الأميركيّة للرعايا” من اللّون الأزرق الذي يسمح للأميركيين بالسّفر دون قيود وصولًا إلى اللون الأحمر الّذي يمنع السّفر بشكلٍ كُلّي. التحذير الأميركي للمواطنين من السّفر إلى لبنان يندرج في إطار اللون البُرتقالي والذي يدعو لـ”إعادة النّظر في السّفر” وهو المرحلة ما قبل التحذير الأحمر الذي يمنع السّفر.

تلحظ وزارة الخارجيّة الأميركيّة 3 مناطق تحظر مواطنيها من التوجّه إليها بشكلٍ كُلّي وهي:

منطقة الحدود الجنوبيّة، بسبب احتمال نشوب نزاع مُسلّح بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.

منطقة الحدود اللبنانيّة السّوريّة، لاحتمال نشوب اشتباكات في المنطقة لم تُحدّد طبيعتها، إلا أنّ عام 2017 شهد اشتباكات عنيفة بين الجيش اللبناني وعناصر من تنظيم داعش في إطار معركة فجر الجرود. وفي الفترة الزّمنيّة نفسها كان حزب الله يشنّ هجومًا واسعًا في السّلسلة الشّرقية وجرود عرسال ضدّ جبهة النّصرة وبعض الفصائل السّوريّة الأخرى.

وأخيرًا مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين التي تشهد من حينٍ إلى آخر اشتباكات مُسلّحة وعمليات اغتيال.

مصدر في الخارجيّة الأميركيّة فنّد لـ”أساس” خلفيّات تحذير واشنطن لإعادة النّظر بالسّفر إلى لبنان الذي تمّ تحديثه قبل أيّام قليلة تزامنًا مع ارتفاع سعر صرف الدّولار وزيادة منسوب التوتّر السّياسي على الصعيد الحكومي وبعد اغتيال النّاشط لُقمان سليم. ما جعل من التّحذير أمرًا لا بُدّ منه:

أوّلًا، ارتفاع منسوب العُنف والجريمة المُنظّمة بشكلٍ غير مسبوق وعجز السّلطات الرّسميّة عن ضبط الوضع الأمني.

ثانيًا، وقوع هجمات “إرهابيّة” (في إشارة لاغتيال لُقمان سليم)، وارتفاع احتمال شنّ هجمات ضدّ مجموعات وأفرادٍ. وقال المصدَر أنّ إشارة الإرهاب المذكورة في التحذير الأميركي يُعنى به حزب الله ولا أحد سواه. وذلك، إثر تقارير استخباريّة وصلت للولايات المُتحدة تُحذّر ممّا وصفته بـ”هجمات مُحتملة” أو عمليّات أمنيّة قد يقوم بها الحزب مُستغلًّا التفلّت الأمني الذي يشهده لبنان ومحاولة الضّغط على الإدارة الأميركيّة الجديدة للقيام بعمليّات تُشبه عملية اغتيال النّاشط لُقمان سليم وربّما “أكثر حدّيّة” على حدّ وصف المصدر.

ولفت المصدر إلى أنّ كلام البطريرك الماروني بشارة الرّاعي تجاه حزب الله لن يمرّ عند الحزب بهدوء خصوصًا أنّ الولايات المُتحدة “تعرف تمامًا” كيف من الممكن أن يَرُدّ الحزب على هذا الكلام. وهذا يندرج أيضًا تحت إطار التحذير من شنّ “هجمات إرهابيّة” في لبنان.

ثالثًا، وصول الاحتقان الطائفي بين المُكوّنات اللبنانيّة إلى حدّ خطِر قد ينعكس على السّلم الأهلي.

رابعًا، عجز السّلطات اللبنانيّة عن التعامل مع تفشّي جائحة كورونا وارتفاع أعداد المُصابين بالفيروس. بالإضافة إلى عدم جهوزيّة القطاع الطّبي اللبناني للقيام بما هو مطلوب تجاه الجائحة.

خامسًا، تخشى السّلطات الأميركيّة من تعرّض مواطنيها للخطف واتخاذهم رهائن لمآرب سياسيّة كما كان الوضع إبّان الثّمانينيات والتي يُنسَب مُعظمُها إلى جماعة “الجهاد الإسلامي” وهي المُسمّى الآخر لحزب الله.

ويقف مراقبون عند هذا التّحذير الذي حاولت السّلطات الأميركيّة عدم إثارته إعلاميًا، إلّا أنّ صدور التعديل قد يشير إلى أنّ لبنان مُقبلٌ على مرحلة شديدة الخطورة قد يختلط فيها “الحابل بالنّابل” ودخول أتون الفوضى المُطلقة.

كما يجدر التّوقّف عند تجديد التحذير من زيارة المنطقة الحدوديّة في الجنوب مع ارتفاع منسوب نشوب “نزاع مُسلّح” بين حزب الله وإسرائيل. إذ من المعروف لدى الجميع مدى التنسيق الاستخباري بين واشنطن وتل أبيب. وقد يكون نشر التحذير من زيارة المنطقة الحدوديّة مع سوريا في إطار “تضييع” المراقبين من التحذير من نشوب نزاع بين لبنان وإسرائيل ومحاولة إدراجه كتحذير روتيني. إلّا أنّ التصريحات الإسرائيلية وكلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن “عدم السّماح لحزب الله بامتلاك صواريخ دقيقة وتهديد إسرائيل بها” قد يٌفسّر مدى جديّة التحذير الأميركي.

ويندرج في هذا الإطار أيضًا كلام نائب الأمين لحزب الله نعيم قاسم عن أنّ الحزب لا يزال مُتمسّكًا في الرّد على مقتل أحد مُقاتليه في سوريا الصّيف الماضي في الوقت الذي يُريد. ويؤكّد مراقبون أنّ الحزب ينتظر اللحظة المُناسبة للرّد في إطار رفع السّقف الإيراني للتفاوض مع إدارة بايدن، مع ترقّبٍ للموقف الإسرائيلي السّاعي لإفشال هذه المفاوضات في حال ردّ الحزب من لبنان… فهل يستوعب نتنياهو الردّ أو يردّ بشكلٍ واسع وغير مسبوق؟