هل يتقاسم البطريرك و”القوات اللبنانية” المسيحيين؟

هل يتقاسم البطريرك و”القوات اللبنانية” المسيحيين؟
سركيس نعوم

بعد رفض “حزب الله” حصول “التيار الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل على “الثلث المعطّل” في الحكومة التي يسعى الرئيس المكلّف سعد الحريري الى تأليفها منذ نحو 4 أشهر، وبعد رفض باسيل “ثلثاً معطلاً” فيها بوزراء خمسة له وبوزيرين لحليفه “حزب الله” تأكد رئيس “التيار” أن رئيس “الحزب” لن يعطي “ثلثاً” كهذا لأحد. فقرّر اللعب على الوتر المسيحي من أجل تعزيز وضعه و”تياره” في شارعه الطائفي بعد ضعف أصابه جرّاء مواقفه المتناقضة والمتجاهلة للوقائع على الأرض وإحجام منافسيه المسيحيين وحليفه المسلم الشيعي، والمصممة على تنفيذ أمور عدّة أبرزها:

“إلغاء منافسيه أو ربما أعدائه المسيحيين الأقوياء ومنع الضعفاء منهم من استعادة بعض القوة، والتخلّص من الرئيس نبيه بري شريك حليفه “حزب الله” في “الثنائية الشيعية”, وإخضاع الزعيم السنّي الأول حتى الآن سعد الحريري، رغم أن أولويته لا تُقاس أبداً بأولوية والده الشهيد، أو إبعاده عن السلطة. علماً أن ذلك هدف له ولرئيس الجمهورية منذ استقالة الحريري من رئاسة الحكومة من دون إعلام الأخير أو التشاور معه بعد أشهر قليلة من إندلاع ثورة 17 تشرين 2019. لكن قراره اللجوء الى طائفته بل الطوائف المتنوّعة في الشارع المسيحي لم يستند الى درس واقعي وجدّي لما يعتمل فيه من مشاعر ومواقف. إذ أن غالبيته لم تعد تصدّق أن تمسّك باسيل بـ”الثلث المعطّل” هو لمصلحة المسيحيين، وصارت تعتبر بعد متابعة دقيقة لمواقفه أنه لمصلحته، وأنه يمزجها مع مصلحة المسيحيين من أجل الإحتفاظ بتأييدهم أو استعادته وتوظيفه في معركته ضد كل من يعارض رغبة الرئيس عون في توريثه رئاسة الجمهورية بعدما ورّثه “التيار الوطني الحر”. طبعاً فوجئ البطريرك الماروني بشارة الراعي بحجم التأييد المسيحي له بل لمواقفه في الأشهر الأخيرة، التي تضمنها خطابه في ساحة بكركي الأسبوع الماضي أمام جمهور غفير. فوجئ أيضاً بحجم التأييد الجزئي لكن المهم في آن الذي أبداه “تيار المستقبل” السنّي وزعامات وقيادات دينية سنّية أيضاً، كما الذي أبداه الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط وعدد وإن محدود جداً من القيادات الشيعية.
وفوجئ أخيراً بحجم التأييد الدولي لمواقفه ولا سيما من الفاتيكان وبابا الكاثوليك في العالم “القديس الحي” فرنسيس. علماً أنه سبق “الخطاب المبادرة” بأشهر قليلة إذ كان له دور في رسم الطريق التي سار عليها الراعي منذ مدة غير طويلة. علماً أيضاً أن دولاً كبرى عدّة نظرت إيجاباً الى مواقفه من دون أن يعني ذلك إستعداداً لمساعدته على تنفيذها، لأن مشكلة لبنان صارت جزءاً من أزمات وحروب إقليمية لا حلول سحرية لها في المستقبل المنظور سبب ذلك ميل اللبنانيين دائماً الى الاعتماد على الخارج كي يفصل بين شعوبهم المتخاصمة والمتحاربة، أو كي يساعد بعضها على كسر بعضها الآخر. تجدر الإشارة هنا الى أن التأييد المشار إليه ضمّ أيضاً دولاً عربية مهمة سواء كانت في الخليج أو في الوسط العربي – الإفريقي. قد تكون الدوافع الأساسية لهذا التأييد العربي – الخارجي أولاً وقوف البطريرك الراعي سواء بإرادته الحرّة أو بإرادة مرجعيته الدينية الأولى في العالم أو بإرادة دول مهمة عربياً ودولياً في وجه “حزب الله”. ثانياً تحوّله ممثلاً لأوسع شريحة مسيحية في لبنان، علماً أن أحداً لا يعرف الى متى قد يستمر هذا التمثيل نظراً الى وجود أحزاب مسيحية قوية شعبياً ومن زمان والى مضاعفة سياسة باسيل و”تياره” ومؤسسه الرئيس عون حجمها الشعبي هذا، وأحزاب وتيارات كانت قوية وتحاول الإفادة من “تاريخها” ومن “ثورة 17 تشرين” لاستعادة “مجدٍ” كان تاليداً، وقيادات لها شعبيتها المناطقية كانت أول من ناصب عون و”تياره” ووريثه السياسي العداء سواء لأسباب مسيحية أو وطنية أو سياسية تنافسية. ثالثاً خسارة باسيل شرائح مسيحية مهمة وعدم حصوله يوماً على تأييد “حركة أمل” ورئيسها نبيه بري شريكة “حزب الله” في “الثنائية الشيعية”، كما على تأييد السنّة شعباً وقيادات وتنظيمات إسلامية وسياسيين ورؤساء حكومة سابقين رغم اشتراك زعيمهم الأول نسبياً طبعاً سعد الحريري مع رئيس “القوات” سمير جعجع في إيصال الجنرال عون الى قصر بعبدا رئيساً. و”إنجازٌ” كهذا لن ينساه اللبنانيون لهؤلاء كلّهم، كما للزعيم الدرزي الأبرز الذي ساهم فيه مضطراً لأسبابٍ مبرّرة في حينه، وربما يحاسبون المسؤولين عنه إذ كان يفترض فيهم أن يعرفوا أكثر من غيرهم حقيقة الذين تساعدوا لترئيسه عليهم وعلى اللبنانيين. علماً أن الشعب اللبناني “غفور” ولم يحاسب أحداً يوماً.
وفي هذا المجال يشير متابعون للحركة السياسية اللبنانية المعقّدة الى أن باسيل يرتكب أخطاء كثيرة ويكرّر أخطاءً ارتكبها في أوقات سابقة. آخر خطأ كان وفقاً لمعلوماتهم من شقين. الأول “مقاطعته” الجزئية لبكركي إذ أنه امتنع في المرحلة الحالية الصعبة عن ترؤس وفد “تياره” إليها لمقابلة سيّدها البطريرك الراعي،
واكتفى باتصال هاتفي بعد زيارة وفدين يمثلونه بكركي وشرحهما له “حقيقة الأوضاع” وتحديداً قبل وصول وفد الزيارة الثانية الى الصرح بوقت قصير. الأسوأ من المقاطعة في رأي هؤلاء المتابعين كان زيارة باسيل في الفترة نفسها السفير البابوي في لبنان المقيم في حريصا البعيد عن بكركي كيلومترات قليلة أزعج ذلك الراعي إذ اعتبر أنه هو من يوصل شكاوى المسيحيين الى الفاتيكان عبر سفيره في لبنان، كما اعتبر أن باسيل ذهب الى حريصا للشكوى منه وللطلب من ممثل البابا فرنسيس إيصالها إليه. طبعاً لا يعني ذلك أن الراعي صار الزعيم المسيحي الأوحد. فالقيادة المسيحية ذات العمق الشعبي الواسع يتقاسمها معه “حزب القوات اللبنانية” أولاً، ثم الكيانات الحزبية الأخرى والزعاماتية. ولا بد أن يؤثر ذلك على نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، هذا إذا أُجريت في موعدها أي بعد نحو سنة وأربعة أشهر. في اختصار كان لـ”حزب الله” “أوتوستراد” عريض مع المسيحيين، والتطورات الأخيرة أثبتت إنحسار “عرضه” وأظهرت أيضاً أنه صار هدفاً أولياً لأعدائه في كل الطوائف. ربما يكون ذلك صحيحاً. لكن ما جرى يوم الثلثاء الماضي من تحرّك شعبي لبناني شمل مناطق عدّة في البلاد أظهر أن هدف الناس و”الشعوب” لا يزال الحكم والحكومة والسياسيين والأحزاب والمصارف ومصرف لبنان والفساد ومواجهة من تسبّب بالإنهيار الاقتصادي والمالي والنقدي الأخير.