لبنان «يحتضر» و«حرْق مَراكب» في الصراع السياسي

– طغيان أجواء «الكمائن المتبادلة»… حكومياً

بين مشهدية الطرق المقفلة في الشارع والأبواب الموصدة حكومياً، يَمْضي لبنان نحو الانفجار الكبير بعدما صارتْ البلادُ أشبه بـ «هيكل عظمي» مالياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وشعبها يواجه «باللحم الحي» خطراً وجودياً تتكاتف فيه أزمات الداخل مع صراعات الاقليم.

وإذا كان اليوم الثالث من غضبة الشارع حمل انكفاء كبيراً لحركة قطْع الطرق على وقع «التدخل الناعم» للجيش وعدم نجاح المنتفضين في تكوين «درع بشري» كافٍ لحماية احتجاجاتهم التي شكلت «جرس إنذار» للسلطة وأسست لدينامية اعتراضية لن تستكين، فإن المسار السياسي الذي يفترض أن يسحب فتيل الغليان الشعبي لم يوح باقتراب حدوث أي اختراق في مأزق تأليف الحكومة الذي بات يُسابِق سقوط آخر الحواجز الفاصلة عن بلوغ القعر السحيق.

وفيما بدا أن الجيشَ نجح باحتواءِ اندفاعةِ قطْعِ الطرق من دون «التورط» باصطدام مكلف مع «الشعب» قد يريده بعض الداخل ويرفضه كل الخارج، وهو ما مهّد له بتغريدة جاء فيها «نتيجة الحوادث المأسوية (مقتل 3 أشخاص بحوادث سير مرتبطة بقفل طرق) والتجاوزات التي حصلت وحفاظاً على سلامة المواطنين باشرت وحدات الجيش صباحاً (امس) فتح الطرق المغلقة»، فان هذا التطورَ الذي واكبتْه لبعض الوقت عملياتٌ متنقّلة أُقفِلت فيها مَنافذ رئيسية ليعاود فتْحها تباعاً ترافق مع معطييْن ذات صلة بأداء المؤسسة العسكرية وقيادتها في هذه المرحلة المفصلية:

* الأوّل إشاعة مناخاتٍ عبر تقارير إعلامية أخذتْ على قائد الجيش العماد جوزف عون تراخيه في التصدي لقطْع الطرق رغم المقررات التي صدرت عن اجتماع قصر بعبدا، واضعة الأمر في سياق «تقديم أوراق اعتماد» رئاسية.

* والثاني تقديم النائب علي حسن خليل (من كتلة الرئيس نبيه بري) اقتراح قانون معجلاً مكرراً بمنْح دفعة غلاء معيشة لضباط وعناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي وسائر الأجهزة تساوي مليون ليرة شهرياً ولمدة 6 أشهر.

وسرعان ما تمت مقاربة هذا الاقتراح من زاوية مالية – إدارية، عبّر عنها خبراء حذروا من تداعيات طبْع المزيد من العملة الوطنية في ظل الانسحاق المتمادي لليرة أمام الدولار (بات يناهز في السوق الموازية 11 الف ليرة) وما قد يسببه من تسريع الانهيار الكبير وزيادة مستويات التضخم، قبل أن تلوح أول تداعيات «التمييز» بين موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين مع إعلان رابطة موظفي الإدارة العامة الإضراب يوم غد مع تلويح بجعله مفتوحاً ابتداء من الاثنين بحال أقرّ البرلمان في جلسته العامة (غداً) دفعة غلاء معيشة لا تشمل جميع الموظفين.

على أن الزاوية الأمنية لهذا التطور بدت الأكثر دلالة في ضوء اعتبار بعض الأوساط أنه بعد «صرخة» العماد عون يوم الاثنين، بأن «العسكريين يعانون ويجوعون مثل الشعب»، وسؤاله المسؤولين «إلى أين نحن ذاهبون، حذرنا مراراً من خطورة الوضع وإمكان انفجاره»، فإن السلطة تحاول تقديم ما يشبه «الرشوة» للمؤسسة العسكرية تفادياً لوقوفها «على الحياد» ورفْض استخدام القوة في موجات الاحتجاج الآتية وأقربها بعد غد، حيث دعت مجموعات ليوم تحرك واسع على الأرض ونصب خيم في الساحات بدءاً من ساحة الشهداء وسط بيروت بعدما «أوصل قطع الطرق الرسالة»، مع رفْع عناوين الاعتراض المعروفة إلى جانب تأكيد تأييد الجيش.

وفي موازاة ذلك، كان المشهد السياسي على قتامته، في ضوء طغيان أجواء «الكمائن المتبادلة» وتقاذُف المسؤوليات والثقة المعدومة بين المعنيين بملف تأليف الحكومة على المبادرة التي يعمل عليها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والتي يُشاع أنها عالقة عند حقيبتيْ الداخلية والعدل وتوزيعهما ضمن تشكيلة الـ 18 بين كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري وكيفية تسميتهما.

وترى دوائر متابعة للمأزق الحكومي، أن ما يجري ضخه عن ساعات حاسمة وإمكانات تحقيق انفراجاتٍ لا يعدو كونه «قنابل دخانية» وخصوصاً في ضوء بلوغ المكاسرة بين عون والحريري مرحلة «يا قاتل يا مقتول»، وهو ما كان عبّر عنه أمران: أوّلهما كلام رئيس الجمهورية في اجتماع بعبدا حول خلفيات التحركات في الشارع وصولاً إلى ما نقلتْه قناة «او تي في» (التابعة للتيار الوطني الحر) ليل الثلاثاء، من أن «تشكيل الحكومة لا يكون إلا في عاصمة لبنان، وبالاتفاق مع رئيس لبنان» وأن عون «لم يخض كل المعارك المعروفة في حياته، كي يتراجع هذه المرة».

والأمر الثاني كلام السقف الأعلى لـ «التيار الوطني» الذي وصف علناً «ما شهدته الأيام الأخيرة من استغلال لوجع الناس لغايات سياسية» بأنه «يشبه الحال الإنقلابية على رئيس الجمهورية، وإنقلاب مدروس لضرب مشروع الرئيس عون الإصلاحي»، مؤكداً «أي تفكير من أي كان بإسقاط رئيس الجمهورية وهمٌ ننصح بالإقلاع عنه»، ومنتقداً بعنف الحريري «وسلوكه الإستخفافي بما هو حاصل في البلاد».

وجاء هذا الموقف على وقع اللقاء الذي عقده الحريري في أبوظبي (الثلاثاء) مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وخلص (وفق بيان الخارجية الروسية) لتأكيد «اهمية الاسراع بتشكيل حكومة مهمة ‏قادرة من التكنوقراط»، مع تجديد موسكو، التي تردد ان وفداً من كتلة «حزب الله» سيزورها الاثنين، ثقتها بشخص الحريري لرئاسة الحكومة عبر تذكيرها بأنه «تم تكليفه بنتيجة الاستشارات النيابية».

وفي سياق الإحاطة الدولية بالواقع اللبناني الذي يُنْذر بالمزيد من الانزلاقات في قلب الهاوية في الأسابيع المقبلة التي قد تحمل العتمة الكاملة وأزمة بنزين الى جانب جنون الأسعار، برز ما نقلتْه تقارير عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لجهة تأكيده أن استمرار احتفاظ «حزب الله» بأسلحة غير مرخصة خارج سيطرة الدولة «يمثل انتهاكاً خطيراً للقرار (1701)»، داعياً الحكومة «لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان التنفيذ الكامل للأحكام ذات الصلة من (اتفاق الطائف) والقرارين 1559 و1680»، ومناشدته السلطات إجراء «تحقيق سريع وشفاف» في اغتيال الناشط لقمان سليم و«تقديم الجناة إلى العدالة»، و«تسهيل تشكيل حكومة في الوقت المناسب قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

موقع الراي