«دولار الـ 10 آلاف» في لبنان يدشّن مرحلة… «الآتي الأعظم»

لم يكن تسجيلُ العملةِ اللبنانيةِ أمس، «انسحاقاً» قياسياً أمام الدولار الذي «دشّن» سعرُ صَرْفِه في السوق السوداء «مرحلةَ الـ10 آلاف ليرة» وما فوق، مجرّدَ مؤشرٍ إضافي إلى الانهيار النقدي – المالي المتمادي، إذ جاء هذا التطور الدراماتيكي مُدَجَّجاً بمخاوف من أن يكون فاتحةَ أسابيع بالغة الخطورة بدا أن «بلاد الأرز» دَخَلَتْ مدارَها على وقع حال «انعدام الوزن» السياسي الذي تعيشه و«الفراغات» المتعاظمة في إدارة شؤون دولةٍ لم يعد يفصلها عن «مرتبة الفاشلة» إلا… الإعلان.

وأتى «تحليقُ الدولار» لمستويات غير مسبوقة على سلّم «السقوط الحر» المُتَدَحْرِجِ منذ أواخر 2019 ليصبّ الزيتَ على نار غليان الشارع الذي يُخشى أن يكون على مشارف اضطراباتٍ سيكون من الصعب «التمييز» بين خلفياتها البدهية المرتبطة بالكارثة المعيشية الزاحفة، وبين خفايا سياسية يَخْشى كثيرون أن تستظلّ المُنْحَدَرَ الأقسى في مسارِ الانهيارِ الشامل، لمحاولة «تحصيل نقاط» في سياق معركة تأليف الحكومة التي تشكّل «واجهةً» لمُنازَلةٍ خفيةٍ، تتصل بـ «عضّ الأصابع» على تخوم شروط وقواعد التفاوض حول أزمات المنطقة بدءاً من النووي الإيراني، كما تطلّ على التوازنات بأبعادها الاقليمية التي ستَحْكم الواقعَ اللبناني في زمن التسويات.

ولاحتْ «طلائعُ» الغضبة الشعبية أمس، مع تحرّكاتٍ وقطْع طرق بدأ في الشمال والبقاع ووصل الى بيروت، على وقع سباقٍ مُرْعبٍ بين ارتفاعاتٍ مستمرة بالأسعار يقابلها انخفاض قيمة الرواتب بإزاء العملة الخضراء بحيث بات الحدّ الأدنى للأجور لا يتجاوز 67 دولاراً (من الأدنى عالمياً)، وبين ارتفاعاتٍ مرتقبة في ساعاتِ التقنين الكهربائي، ولو بعد تَحَسُّنٍ سيكون عابراً، وفي أسعار النقل كما الخبز ولو على شكل «تحايُل» يستعيض عن زيادة سعر الربطة بخفْض وزنها، وليس انتهاءً بالمطالبات بـ «دولار صحي» يتم بموجبه تقاضي الخدمات الاستشفائية وفق سعر المنصة أي 3900 ليرة عوض السعر الرسمي (نحو 1500 ليرة).

ويأتي تَشابُك المؤشرات السلبية في مختلف النواحي المالية والنقدية والاقتصادية والمعيشية، فيما الأزمة الحكومية تعتمل وسط انطباعٍ بأن الانفجارَ الاجتماعي الذي يطرق الأبوابَ – على وقع اقتحام خطر «داعش» مجدداً المشهد الداخلي – قد يُستثمَر سياسياً لمحاولة «كسْر» الطوق حول مسار تأليف الحكومة بعدما بات أفقه محكوماً بحدّيْن: الأول تشكيلةٌ وفق مواصفات الرئيس المكلف سعد الحريري والتي ترتكز على دفتر شروط دولي صارم يقوم على ثلاثية «اختصاصيين غير حزبيين ينجزون الإصلاحات وبلا ثلث معطّل لأي فريق»، وهي المواصفات التي تصطدم بالتوازنات وفق ما يراها رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه والتي لا يمانعها «حزب الله» أقله بانتظار المزيد من تدوير زواياها.

والحدّ الثاني المبادرة التي طرحها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والقائمة على مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة حول لبنان تحت سقف إعلان حياده، وعلى الحلّ المتكامل لمختلف أوجه أزمته بما فيها سلاح «حزب الله» وفق ثلاثية «الحياد والجيش والسيادة».

وفي موازاة التعقيدات الداخلية أمام هذه المبادرة التي قوبلت بامتعاضٍ كبير من «حزب الله»، وبمعزل عن توافُر مظلة دولية لها في المرحلة الحالية أم لا، فإن أوساطاً مطلعة ترى أن رفْع بكركي عصاها تحت عنوان حماية لبنان من الخطر الوجودي ودعْماً لثورة الشعب لا يمكن أن تكون «قفزة في الهواء» ولا ترتكز إلى أي أفقٍ أقلّه الغطاء الفاتيكاني الذي لمّح إليه البطريرك نفسه في حديثه الى قناة «الحرة» ليل الاثنين، إذ قال رداً على سؤال حول هل يدعم الفاتيكان المؤتمر الدولي: «الفاتيكان ليس دولة تقولين لها أريد هذا الأمر فادعمني. الفاتيكان يستمع ويعمل بطريقته، ولو نقرأ ما قاله البابا للسلك الديبلوماسي ممثَّلاً بـ167 (سفيراً وممثل دولة) من ان المجتمع الدولي مدعو أن يعتني بلبنان، فماذا نفهم منها»؟

ووفق هذه الأوساط، فإن الفاتيكان كان عبّر عن إحاطته غير العادية بالواقع اللبناني من خلال توجيه البابا فرنسيس إشارتين بالغتيْ الدلالة تباعاً حيال «بلاد الأرز»، الأولى في رسالة الميلاد التي خص بها اللبنانيين وتلاها البطريرك الماروني للمرة الأولى، ثم خلال استقباله أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمد لتبادل التهاني بحلول 2021 حين خصّص فقرة للبنان تمنى فيها «تجديد الالتزام السياسي الوطني والدولي من أجل تعزيز استقرار لبنان، الذي يمرّ بأزمة داخلية والمُعرَّض لفقدان هويّته ولمزيد من التورّط في التوتّرات الإقليمية».

وإذ لاحظتْ الأوساط ُنفسها أن الفاتيكان، الذي يملك واحداً من أوسع حضور ديبلوماسي في العالم، يولي اهتماماً خاصاً بواقع المنطقة تعبّر عنه زيارة البابا التاريخية للعراق بدءاً من بعد غد، اعتبرت أن البطريرك وجّه أكثر من رسالة بأنه سيمضي في بلْورة ما يلزم لتوفير حظوظ إيصال مبادرته إلى حيث يجب، وسط تقارير عن أنه يعدّ رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس تتضمن عرضاً لفكرة الحياد ومرتكزاتها، وطلب ‏عقد المؤتمر الدولي.

وإذ كان الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أعلن أن المنظمة الدولية «أخذت عِلماً» بدعوة الراعي و«نعمل مع لبنان والشركاء الدوليين لاستكشاف السبل التي يمكن من خلالها دعم استقرار لبنان»، داعياً «القيادات اللبنانية لتشكيل حكومة دون تأخير»، عبّر البطريرك نفسه على شاشة «الحرة» عن انه سيستمرّ «حتى النهاية» في مبادرته، كاشفاً «اننا اطلعنا سفراء عدد من الدول على المبادرة وهم مرحبون».

وسئل «لماذا فريق في لبنان ‏سيتحكم بالحرب والسلم، في وقت يقول الدستور إن هذا تُقرره الحكومة»؟ ‏رافضاً المطالبة بإسقاط رئيس الجمهورية والنظام، ومؤكداً «نحن مع السلام وضدّ الحروب وهذا مبدأ، وهناك مبادرة بيروت للسلام فليعودوا ‏إليها، وما الشروط على الدول التي تريد التفاهم وما الشروط على إسرائيل.

ولكن ‏لدينا ليس الدولة التي تعالج الموضوع، هناك حزب الله الذي يقرر الحرب والسلام مع ‏إسرائيل وليس الدولة».

 

موقع الراي