«الغضبة الشعبية» في لبنان «حمّالة» أجندات تمتطي وجع الجياع

– خبراء يرون أن لبنان أصبح “زيمبابوي الشرق»!
– عون يطلب من سلامة «معرفة الأسباب التي أدت لارتفاع سعر الدولار إلى هذه المستويات”

… تَعَدَّدَتْ القراءاتُ والنتيجةُ واحدة: لبنان «النازف» مالياً واقتصادياً وسياسياً صار في قلْب سباقٍ مع القروش المفترسة من دون أي درْع حماية داخلي أو خارجي.

هذه خلاصة المنزلق الجديد في الوضع اللبناني الذي أطلّ برأسه من قلب دخان انفجار أوسع احتجاجاتٍ في الشارع منذ انطلاق «تظاهرات 17 أكتوبر 2019» شكّل «عودُ ثقابِها» بلوغُ سعر صرف الدولار في السوق السوداء عشرة آلاف ليرة، مع كل ما يحمله ذلك من تداعياتٍ على الواقع المعيشي الذي تتقلّب معه غالبية اللبنانيين على جمر الفقر والتضخّم والبطالة و«كورونا».

وفيما بقيت مناطق عدة أمس في قبضة الغضبة الشعبية التي لم تكن مفاجئة والتي «انفلشت» مساء الثلاثاء على شكل قطع طرق في بيروت والشمال والبقاع والجنوب وجبل لبنان بالإطارات المشتعلة أو الحجارة والعوائق ومستوعبات النفايات، في مشهديةٍ وُضع سياقُها العام بإطار «انتفاضة» بوجه عموم الطبقة السياسية، فإن خلْف «غبار» التحركات الواسعة في الشارع التي لم ترْقَ حتى الساعة إلى حِراك يستعيد ثقل تظاهرات 2019، لاحتْ تفسيراتٌ عدة تقاطعتْ جزئياً وتقابَلتْ بالكامل ولكنها تصبّ في خلاصتها عند أن «بلاد الأرز» تواجه «المثلث القاتل»: الانكشاف على صراعات المنطقة، وفقدان كل «أحزمة الأمان» الداخلية، والأهمّ عدم وضوح إمكان «ترقيع» القعر المفتوح الذي سقطت فيه على قاعدة مخارج مجتزأة لأزمةٍ كبرى مثل تأليف الحكومة من دون معالجة المشكلة الواضحة وضوح «الفيل في الغرفة» والمتصلة باسترهان لبنان لمشروعٍ إقليمي وانتقاله الى المحور الإيراني.

وفيما أطلق تحطيم الدولار سقف العشرة آلاف ليرة العنان لتقديرات بأن سعر صرف العشرين ألف وربما الخمسين ألفاً والمئة ألف لم يعُد خيالياً ما لم تجد بيروت سبيلاً لضخ “العملة الخضراء” في الأسواق وهو ما لا يمكن حصوله من خارج حكومة تستعيد ثقة المجتمع الدولي واتفاق مع صندوق النقد، وسط مجاهرة خبراء بأن «لبنان أصبح زيمبابوي الشرق»، فإنّ أوساطاً سياسية بدت حذِرةً في مقاربة آفاق عودة السخونة إلى «الأرض» في ظل انطباعٍ بأن أكثر من «أجندة» تشابكتْ وتشي بأن «شوارع عدة» تحرّكت على وهج «احتراق» العملة الوطنية، وذلك من دون التقليل من «الخلفية الأصلية» للاندفاعة الشعبية الأقرب إلى «ثورة الجياع».

وإذا كان «استيقاظُ» الانتفاضةِ في المناطق المسيحية اعتُبر في سياق الرسالةِ الاعتراضية على الرئيس ميشال عون وعهده ارتكازاً على المناخ السائد لدى خصومه من أحزاب مسيحية وهو ما عبّرت عنه مواقف محتجّين صوّبت بالمباشر على عون، مع طرْح عناوين في صلب مبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حول الحياد والمؤتمر الدولي وسلاح «حزب الله»، فإنّ دوائر عدة توقفت عند شمول قطع الطرق ابتداءً من مساء الثلاثاء مناطق تقع في دائرة نفوذ الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري في ‏الضاحية الجنوبية وعلى مدخل بيروت الجنوبي وصولاً إلى مناطق في الجنوب، وسط ظهور مناصرين في وسط بيروت وشوارع أخرى.

ورأت الدوائر، وهي على خصومة مع «حزب الله»، أن «حضورَ» هذه المناطق في مشهدية الاعتراض بدا محمّلاً برسالتين: الأولى خصوصاً من فريق بري ويتّصل بملف تأليف الحكومة الذي يقف فيه رئيس البرلمان بمواجهة رئيس الجمهورية ميشال عون وشروطه ولا سيما في ما خص عنوان «الثلث المعطّل»، والثانية من «حزب الله» وتتّصل بالمناخ الاستنهاضي الذي رافق إلإحاطة الشعبية السبت الماضي بمبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في ظلّ ما اعتبرتْه الدوائر محاولةً لجعْل ضوضاء الشارع تخطف الأضواء من وهج طرح بكركي أو تشكل «جرس إنذار» برسْم المساعي لتوفير الغطاء الداخلي والدولي له.

وفي حين رأت الدوائر نفسها أن توقيت رفْع تعرفة النقل بنسبة 30 بالمئة للسيارات العمومية، السرفيس والتاكسي والميني باص والفانات والباصات الكبيرة موقتاً و«أثناء فترة الإقفال العام» من شأنه أن يشكل فتيلاً جديداً يغذي الغضب العارم، لاحظت محاولةً متجدّدة لحصْر المسؤولية عن بلوغ سعر صرف الدولار 10 آلاف ليرة بالقطاع المصرفي عبر اتهامه برفع الطلب على العملة الخضراء في السوق السوداء لزوم توفير متطّلبات تكوين سيولة بنسبة 3 بالمئة لدى المصارف المراسلة من مجموع الودائع بالدولار، وفق التعميم 154 الذي كان أصدره «المركزي» وانتهت مهله قبل 4 أيام، وهو ما ظهّرته اعتداءات على واجهات بنوك وخصوصاً في بيروت، لتردّ جمعية المصارف أمس نافية «جملة وتفصيلاً» ما اتُهمت به.

وكان بارزاً غداة انتقال «العاصفة الكاملة» التي يتخبّط فيها لبنان إلى الشارع دخول عون على الخط عبر مواقف لم تخلُ من دلالات أعقبت استقباله حاكم «المركزي» رياض سلامة أمس وعكستْ محاولةً لامتصاص الغليان الشعبي وتوجيه الرسائل السياسية.

وقد طلب عون، وفق بيان صدر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية من سلامة «معرفة الأسباب التي أدت لارتفاع سعر الدولار إلى هذه المستويات ولا سيما في الأيام القليلة الماضية، وإطلاع اللبنانيين، تأميناً للشفافية، على نتائج التحقيق الذي تجريه هيئة التحقيق الخاصة. كما طالبه بإحالة هذه النتائج على النيابة العامة ليصار إلى ملاحقة المتورطين، في حال ثبت وجود عمليات مضاربة غير مشروعة على العملة الوطنية، من جانب أفراد أو مؤسسات أو مصارف».

وسأل عون حاكم مصرف لبنان «عما آل إليه تنفيذ التعميم 154 الصادر عنه للمصارف»، مؤكداً «أن الهم الأساس يبقى استعادة أموال المودعين وحقوق الناس التي لا يجوز إضاعتها، لا عن طريق المضاربات غير المشروعة ولا عن طريق التحويلات المشبوهة إلى الخارج»، ومعتبراً «أن هذه الممارسات هي التي أدت إلى فقدان قسم كبير من الودائع، ما تسبب بضائقة مالية واجتماعية علت معها صرخة الناس عن حق، فنزلوا إلى الشارع وهذا أمر مشروع، لأن الإنسان لا يمكن ولا يجوز أن يسكت عن حقه ويتفرج على نهب أمواله وإفقاره من دون ردة فعل»، ومشدداً على «أن حق التظاهر مقدس، ومن واجبات القوى الأمنية حماية المتظاهرين والممتلكات العامة والخاصة، وضمان حق تنقل الناس، وهي حقوق مكرسة في الدستور».

وفي موازاة ذلك، بدا أن «جبل الجليد» السياسي بين عون والرئيس المكلف سعد الحريري والذي يشكّل الواجهة الداخلية التي تعوق استيلاد الحكومة، ماضٍ في الارتفاع، وهو ما عبّر عنه «الملف» الذي أعيد فتْحه بحق المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي حدّد له قاضي التحقيق العسكري فادي صوان جلسةً في 9 مارس الجاري للاستماع إليه بعد ادّعاء مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي عليه الأسبوع الماضي في قضيةٍ كان ادعى فيها ضده قبل نحو عامين القاضي المستقيل بيتر جرمانوس (على خلفية أذونات حفر آبار ارتوازية ورخص بناء)، وهو ما وصفه «تيار المستقبل» بـ «أساليب الضغط البالية والموروثة من حقبة الوصاية التي لن تنفع معه ومعنا، وكرامة اللواء عثمان من كرامتنا»، وسط اعتبار أوساطه أن تحريك الملف في هذا التوقيت يأتي في إطار تنويع «أدوات الضغط» على الحريري في عملية تأليف الحكومة.

وعلى وقع كل هذا الصخب، أعلن المطارنة الموارنة بعد اجتماعهم الشهري برئاسة الراعي انهم توقفوا «أمام الحدث الوطني الكبير الذي احتضنه الكرسي البطريركيّ نهار السبت تأييداً لموقف غبطة البطريرك الداعي إلى إعلان حياد لبنان صوناً لسيادته الكاملة وتحييداً عن الصراعات والحروب الإقليميّة والدوليّة، وإلى عقدِ مؤتمرٍ دولي خاص بلبنان، برعاية منظمة الأُمم المتحدة، من أجل إنقاذه من حالة الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي».

وأكد المطارنة «أنّ الإعتراضات التي حدثت ليلة الثلاثاء والناجمة عن الارتفاع المتمادي لسعر صرف الدولار والتدهور المخيف لقيمة العملة اللبنانيّة تدلّ من جديد على عمق الهوّة التي أُوقع الشعب اللبنانيّ فيها اقتصادياً ومالياً، وعلى الفشل الذريع للسلطة السياسيّة في معالجة هذه الحالة وذلك بسبب تمنعها بدون وجه حقّ عن تشكيل حكومة «مَهمّة» من ذوي الاختصاصات وغير الحزبيّين تكون قادرةً على المواجهة اللازمة للأوضاع الصعبة».

موقع الراي