إيران لـ”ماكرون”: نتكلّم عن لبنان مع بايدن وليس مَعك


لم يستطع الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حتّى اللحظة، رُغم التّفويض الأميركي الممنوح له لإدارة الأزمة في لبنان، أن يخرق “الباطون الإيراني المُسلّح” المُحيط بالسّاحة اللبنانيّة.

على المقلب الآخر، لم يصدر عن الخارجيّة الإيرانيّة أيّ نفي للكلام الذي نُسِبَ لوزيرها محمّد جواد ظريف، عن دعوته الرئيس الفرنسي لـ”عدم التّدخّل في شؤون لبنان الداخليّة”.

كلام ظريف يوضع في خانة “التّعنّت” والإبقاء على لبنان “رهينة”، إلى حين التفاوض الجِدّي بين الولايات المُتّحدة وإيران. ومن ناحيةٍ أخرى يُقَرأ كلام ظريف كإشارة إيرانيّة لماكرون، أن يُبقي عَملَه ضمن الوساطة النّوويّة من دون أن يدخُل في مَلفّات أخرى تمتنع إيران من بحثها في إطار الملَف النّووي، ومن ضمنها لبنان.

تستغلّ طهران الاهتمام الفرنسي في استثمار شركات فرنسيّة في قطاع النّفط والغاز الإيراني، وتقاطع بعض المصالح بينهما خصوصًا في القوقاز والبحر المُتوسّط، للتّشدد أكثر وأكثر في الملف اللبناني، وهي على يقين أنّ ساكن الإليزيه لن يصعّد في اتجاهها.

وكان امتناع باريس عن التصعيد بوجه طهران واضحًا في ما نقلته وكالة رويترز عن أنّ فرنسا وبريطانيا وألمانيا لن تُقدّم مشروع قرار بشأن إيران إلى مجلس محافظي الوكالة الدّوليّة للطاقة الذّريّة.

الامتناع الّذي جاء بعد تهديد مُحمّد جواد ظريف بتصعيد إيراني فوريّ في حال قُدِّمَ هذا المشروع إلى المجلس، يؤكّد أنّ إيران تستغل “هدوء الوسيط الفرنسي” لرفع المطالِب النّوويّة وغير النّوويّة بوجه الإدارة الأميركيّة الدّيمقراطيّة، التي يبدو أنّها لن سياسة الضّغط الأقصى التي مارسها الرئيس الأسبق دونالد ترامب، بل ستعتمد “الدّبلوماسيّة المُطلقة”، مُتناسيةً كلام ترامب في السّابق عن أنّ إيران لم تخسَر مفاوضاتٍ في تاريخها.

وفي لبنان، برزت مؤشّرات عدّة تدلّ على مُهادنة فرنسيّة مُطلَقة مع إيران، أبرزها غياب السّفيرة الفرنسيّة “آن غريو” عن مراسم عزاء النّاشط لُقمان سليم في حارة حريك، والّذي ضمّ سُفراء دول كبرى وغربيّة في مُقدّمتهم السّفيرتان الأميركيّة والسّويسريّة، والسّفير الألماني. وكذلك، غياب التّأييد الفرنسي – أقلّه في الظّاهر – لمسعى البطريرك الماروني بشارة الرّاعي لعقد مؤتمرٍ دوليّ لحلّ الأزمة اللبنانيّة وتحييد لبنان.

يقرأ بعض المراقبين ذهاب الرّاعي نحو “التدويل” من دون اللجوء للحامي التاريخي للموارنة والمسيحيين، سببه تراخي باريس مع إيران في لبنان.

ويُقرَأ التصلّب الإيراني مع وسيطه الفرنسي بأنّه رسالةٌ واضحة من طهران إلى الإليزيه، عن أنّ إيران لن تُقدّم تنازلات يستفيد منها ماكرون. بل إنّها تطمح لتقديم تنازلات – إن حَصَلت – للولايات المُتحدّة على قاعدة “نحن منحكي مع الكبير”. وبالتّالي، يبدو أنّ طهران استغلّت أحلام الرّئيس الفرنسي في النّفط والغاز لأبعد الحدود، وازدادت تعنّتًا، يقينًا منها أنّ ماكرون لن يُغامر بخسارة مئات الملايين من الاستثمارات المُحتملة في إيران والعراق والبحر المُتوسِّط. كما استطاعت تحييده عن الوقوف في وجهها، في الضّغط الذي تُمارسه على إدارة بايدن قبل التفاوض الجدّي على الملف النّووي.

ويُقرَأ التصلّب الإيراني مع وسيطه الفرنسي بأنّه رسالةٌ واضحة من طهران إلى الإليزيه، عن أنّ إيران لن تُقدّم تنازلات يستفيد منها ماكرون. بل إنّها تطمح لتقديم تنازلات – إن حَصَلت – للولايات المُتحدّة على قاعدة “نحن منحكي مع الكبير”. وبالتّالي، يبدو أنّ طهران استغلّت أحلام الرّئيس الفرنسي في النّفط والغاز لأبعد الحدود، وازدادت تعنّتًا، يقينًا منها أنّ ماكرون لن يُغامر بخسارة مئات الملايين من الاستثمارات المُحتملة في إيران والعراق والبحر المُتوسِّط. كما استطاعت تحييده عن الوقوف في وجهها، في الضّغط الذي تُمارسه على إدارة بايدن قبل التفاوض الجدّي على الملف النّووي.

إقرأ أيضاً: نتنياهو.. هل ينسف المفاوضات النوويّة بضربة عسكريّة؟

وفي الوقت عينه، يشير تراجع زخم الحضور السّياسي الفرنسي مع تعقيدات تشكيل الحكومة، إلى مدى التّصلّب الإيراني في لبنان. وكذلك تأجيل زيارة ماكرون إلى المملكة العربيّة السّعوديّة التي كانت مُقررّة في 21 شباط الماضي إلى نهاية شهر آذار الحالي، بسبب رفض طهران مُقترح الإليزيه بتوسيع الأطراف المُفاوضة لطهران، وإدخال السّعوديّة والقوى الإقليميّة في الاتفاق النّووي.

التّصلّب الإيراني في لبنان لا يعكسه بالضّرورة حزب الله في شكلٍ مُباشر. إذ تكفي قراءة العراقيل الصّادرة من قصر بعبدا ومن اللقلوق، وكلام الوزير السّابق بيار رفّول على إذاعة “صوت المدَى” التابعة للتيار الوطني الحرّ، عن ما أسماه “انتصار محور المُقاومة الذي ينتمي إليه الرّئيس عون”، وبالتّالي المُطالبة بـ”مُكافآت “الانتصار”. وكذلك تلويح الوزير جبران باسيل بنموذج “بشار الأسد في لبنان” وكلام الإليزيه عن عرقلة رئيس تكتّل “لبنان القوي” لتشكيل الحكومة، لاستخلاص نتيجة واحدة: إيران لن تتنازل سوى لأميركا، ولحين الاتفاق الكامل لا يراهننّ أحدٌ على تسهيل إيرانيّ في لبنان من دون مُقابل على الإطلاق.