ماذا يعني ان يشعل الدولار بسقف تجاوز العشرة الاف ليرة كل المناطق اللبنانية بهبة الغضب والسخط والذعر، واي فارق بين هذا الدولار المحلّق والدولار بسقف تسعة الاف ليرة؟ الم يكن الفارق الضئيل يستحق اشعال انتفاضة قطع الطرق في الأشهر القليلة الماضية؟ لماذا الان وليس في الامس أيضا؟
وماذا يعني ان يبدو تتابع “عمليات” قطع الطرق البارحة في ساعات بعد الظهر امتدادا الى ساعات المساء والليل خصوصا في بيروت، كأنها نتيجة تحرك منسق، في حين تدل الوقائع على ان قطع الطرق كان فعلا جماعيا عفويا وانتفاضيا يختزن الكثير الكثير من خطر انفجار اجتماعي او اضطرابات اجتماعية واسعة لم يعد مجرد احتمال وسيناريو، وانما بات واقعا يطرق باب البلاد من الشمال الى الجنوب مرورا بالبقاع وجبل لبنان وبيروت؟
لا يحتاج المسؤولون الرسميون من اعلى الهرم بدءا برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ومن ثم بالتتابع الرئيس المكلف سعد الحريري ورؤساء الأحزاب والتيارات السياسية والكتل النيابية الى طواقم المستشارين لكي يدركوا تمام الادراك ان ما جرى في الساعات الأخيرة في “لبنان مقطع الأوصال ” تنتشر الإطارات المحترقة على طرقه وأوتوستراداته ويظلل فضاءه وسماءه دخان اسود قاتم وملوث لهوائه وتحتشد مجموعات المحتجين على كل الطرق إنما يشكل النذير المتقدم للغاية لاستعادة انتفاضة، ربما تكون هذه المرة اخطر الانتفاضات لانها صنيعة الجوع والفقر اللذين لم يكونا بهذا المستوى المخيف لدى اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، ولا كان منسوب الاحتقانات المتراكمة بفعل الازمات المتلاحقة والافتقار المتعاظم والقصور السياسي الخيالي وانكشاف الفساد بأسوأ مظاهره اطلاقا، ولا كان حصل الانفجار المزلزل في مرفأ بيروت مع ما تركه من تداعيات مخيفة، ولا كان الانتشار الوبائي تشظى بأسوأ النتائج الكارثية المأسوية على اللبنانيين والواقع الصحي والطبي والاستشفائي كلا. لذا سيغدو امرا كارثيا جديدا ان ظلت نظرة اهل العهد والسلطة خصوصا الى مجريات ما بدأ البارحة كأنها هبة انفعال قابلة للاحتواء بمجرد محاولة تبريد او تخفيض الدولار المحموم. وسواء شكلت هذه التطورات نذير انتفاضة اجتماعية عارمة جديدة ام نسخة متجددة ومتبدلة للانتفاضة السابقة فان الانطباعات السائدة تشير الى معطيات بالغة الخطورة تنذر فعلا بانفجار اجتماعي غير مسبوق الامر الذي يثير السؤال الكبير الأساسي في مواجهة هذا التطور: هل يدرك المعنيون بتأليف الحكومة الجديدة ولا سيما منهم الحلف الذي يضم العهد و”حزب الله” الذي يمعن في التعطيل الكلفة المخيفة التي ستترتب على المضي في إدارة الظهر لاشتعال الشارع ما لم يسارع الى الافراج عن المحاولة الانقاذية الفورية الوحيدة المجدية، وربما بالكاد تكون مجدية بعد، المتصلة برفع الايدي التعطيلية عن الحكومة الانقاذية قبل غرق البلاد في فوضى لا يعرف احد الى اين ستودي بلبنان هذه المرة ؟ ذلك انه اذا كان الطابع الغالب على انتفاضة قطع الطرق امس ارتبط بتخطي الدولار في السوق السوداء سقف العشرة الاف ليرة فسيكون من الخطأ الجسيم حصر حركة احتجاجية عارمة وعابرة للمناطق كافة بهذا العامل وحده، بمعنى ان الاعتمال الشعبي يرتبط واقعيا بكل الاحتقانات والمعاناة اليومية للشرائح اللبنانية الأكبر التي باتت تتساوى امام الفقر والعوز والقلق وفقدان الأمان المالي والاجتماعي.
شاهد أيضاً
اللاجئون… عندما تدفع ثمن إنسانيتك!
محمد ناصرالدين. تضافرت الجهود الخبيثة لإيصال الوطن إلى ما هو عليه، جهود المرابطين على مفارق …