بكركي تعوِّض عن الفراغ الفاقع في الرئاسة

اليوم تتوجه جماهير لبنانية من كل المناطق الى بكركي دعماً لمبادرات البطريرك الماروني بشارة الراعي التي اطلقها في الفترة الأخيرة، وأهمها مبادرتاه المتكاملتان في الدعوة الى اعلان حياد لبنان، ثم الدعوة الى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة “يثبّت لبنان في أطره الدستورية الحديثة، التي ترتكز على وحدة الكيان، ونظام الحياد، وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني، تمنع التعدي عليه، والمسّ بشرعيته، وتضع حداً لتعددية السلاح”. ماذا يعني هذا الموقف الذي اطلقه البطريرك، وواجهه “حزب الله” من خلال ابواقه التقليدية في الإعلام، قبل ان يتدخل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليرمي في الساحة ما يشبه التهديد المبطّن قائلاً ان “التدويل دعوة الى الحرب”،
معتبراً ان دعوة البطريرك انما هي دعوة للاساطيل والجيوش الأجنبية، متجاوزاً نص المبادرة البطريركية التي لم تشر لا من قريب ولا من بعيد الى تدخّل من هذا القبيل. انه التهويل الذي عادة ما تمارسه الفاشيستيات من خلال التخوين، وتكبير الازمة، والتهديد، وصولا الى الاحتكام الى العنف في مواجهة مطالب سلمية، لا ترمي سوى الى استنقاذ لبنان من الكارثة التي حلت عليه. و”حزب الله”هو في أساس الأسباب التي استجلبت المآسي الى لبنان، واللبنانيين. ولعل الأخطر هنا ان الحزب المشار اليه تحوّل شيئا فشيئا من حالة شاذة الى حالة احتلالية في لبنان، رغم كونه يحظى حتى اليوم بتأييد شريحة كبيرة من مكوّن وطني وازن. لكن تأييد تلك الشريحة لـ”حزب الله”، لا يمنح الأخير حقا في ممارسة احتلال صريح، وفي إكراه الغالبية العظمى من اللبنانيين على الخضوع، والاستسلام، حتى لو كان من يُسمّون اليوم زعماء وقادة يمعنون في التواطؤ والإذعان إزاء هذا الاحتلال القامع لارادة اللبنانيين، والعامل بلا هوادة على نسف أسس الكيان، والنظام، والصيغة، وكل ما يمثل معنى لبنان ودوره الذي أراده أبناؤه وآباؤه المؤسسون.

إن الجماهير التي تتوجه اليوم الى مقر البطريركية مؤيدة للبطريرك الراعي، تريد ان توصل رسالة الى الشركاء في المجتمع الدولي، والشركاء في الوطن، مفادها ان لبنان ليس كله خاضعا للميليشيا المذهبية الفاشيستية، ولا هو كله خائف من الترهيب والإرهاب، والقتل والاغتيال، بل ان في لبنان شعبا لا يقبل ان تبقى الحال على ما هي من هوان، وانهيار، وارتهان. ومن هنا ينظر الناس الى البطريرك ومواقفه على انها مواقف تخص لبنان كله، بصرف النظر عن الانتماءات الطائفية، والسياسية، وانها يمكن ان تؤمّن شيئا من التوازن في مواجهة الحالة الاحتلالية القائمة، وفي مواجهة “المسدس” الموضوع على الطاولة في مواجهة الشركاء في الوطن.

و لعل اهم ما في مبادرات البطريرك الداعية الى الحياد والمؤتمر الدولي، انها تشكل ما يشبه الانتفاضة السلمية المعنوية السياسية التاريخية، في زمن الغياب الفاضح لدور رئاسة الجمهورية التي، وياللأسف، اختارت مع الجنرال ميشال عون التبعية والتواطؤ والمصالح العائلية الصغيرة، بدل ان تكون في طليعة القوى التي تعمل على تثبيت حياد لبنان، ولو بمواجهة قوة ترهيب وإرهاب.

يقولون ان انتخاب الجنرال عون في ظل التسوية المشؤومة، انما انهى زمن الفراغ . أما نحن فنقول ان انتخاب عون سلَّم الرئاسة للحالة الفاشيستية، وفي النهاية تمخض عن فراغ فاضح كما هي الحال اليوم. ان حركة البطريرك تعوّض عن الفراغ في الرئاسة، وتعوض اللبنانيين عن التواطؤ والإذعان المعشّشَين في عروق هذا الطاقم الحاكم السيىء.

علي حمادة -النهار