بكركي الكرامة كما التحرير!

لعلنا لا نغالي اطلاقا ان وضعنا القيمة المضافة لحالة استنهاض تنطلق من بكركي شعاعيا هذا الأسبوع تحديدا بموازاة بل اكثر من طرح البطريرك الراعي حيال المؤتمر الدولي والحياد نفسه. نقول الاستنهاض في بعده الداخلي حصرا لان حركة الاستقطاب الجارية التي اطلقها البطريرك الماروني في دأبه على اظهار انهيار الثقة بالسلطة بعدما جرب المجرب مع أركانها وخرج بيأس اعتى من يأس الناس، هذا الاستنهاض يكشف في لحظته الراهنة الدلالة التي تضاهي وتفوق بأهميتها مضمون الطرح التدويلي.
نعني بذلك ان افضل ما في أسبوع الاستفتاء لبكركي الذي يبدو انه سيتوج غدا السبت بمشهد شعبي كثيف انه شكل من حيث الصدفة بالتوقيت، التعرية الأسوأ اطلاقا لسلطة ومعها الشق الأكبر من طبقة سياسية انكشفت على ما يوازي انعدام الكرامة في ادنى مستوياتها.
على أهمية النقاش والتبحر في طرح المؤتمر الدولي بات يعنينا اكثر ان تنفح مرجعية تعبر عن نبض اللبنانيين كبكركي روح الكرامة بقوة في مشهد حقارة انفجر ببشاعة لامتناهية امام اعين الناس والدول من خلال تلك الفضيحة الأخلاقية لتهريب اللقاحات وتسويغها “رسميا ونيابيا ” بفجور ( باستثناء حالات محترمة قليلة لا نجرفها بهذا التعميم)، والتي لا يجوز اطلاقا توصيفها باقل من الانكشاف الأخلاقي الأخطر لسلطة ليس في معجمها مكان للكرامة.
واما في البعد الأصلي لاسبوع تزكية بكركي فلا نظن ان ثمة شيئا يقدم للبنان منذ “فجر” هذا العهد افضل من تعميم وتصليب حالة تنتشل لبنان من براثن القابضين على واقعه واسترهانه في معادلات المحور الإقليمي الذي رهن “حزب الله” اعمار اللبنانيين ومستقبل أجيالهم به بتغطية عمياء من عهده الحليف.
لو كنا من المؤمنين بمقولة ان التاريخ يعيد نفسه لتمنينا والحال هذه استحضار النسخة المحدثة لإحدى افضل السوابق السيادية التي مثلتها تجربة “لقاء قرنة شهوان” التاريخي. ولكننا لا نؤمن بدورة اجترار التاريخ الا لدى الشعوب المنقرضة ولم نبلغ “بعد” هذا المستوى من اليأس العدمي.
كما ان الظروف والتحولات الحاصلة منذ انتفاضة 14 آذار 2005 جعلت احياء الجبهات السيادية اشبه بالاستحالات بعد انهيار معسكر قوى 14 آذار لمصلحة المعسكر السلطوي والسياسي الخصم المستأسد والمتسلط على مجمل المصير الحالي للبلد. وفي ظل هذه القتامة التي لا افق واقعيا لإزالتها ومناهضتها ومواجهتها بهذا التفكك المخيف لدى القوى المجتمعية والسياسية المناهضة لمحور أسر لبنان في بنك الأهداف والخدمات لايران واذرعتها، تثبت بكركي في ظل البطريرك الراعي انها الركن التاريخي النادر القادر على اطلاق حالات سيادية صرفة لا تتداخل فيها العوامل المشينة والارتباط القاتل بكل خارج يلهو بلبنان ويحوله ساحة مقايضة لمصالحه. انها حقبة لا تقل خطورة عن تلك التي سبقت المواجهة التاريخية عام 2000عقب نداء المطارنة الموارنة والكتاب المفتوح الأول للشهيد جبران تويني الى بشار الأسد لسحب جيشه واستخباراته وعسسه ووصايته الاحتلالية من لبنان. ويكفي بكركي اليوم ان تطلق حالة الاستنهاض هذه العابرة للطوائف والاتجاهات والحس الشعبي المنسحق تحت وطأة سلطة فاشلة مدمنة على تفجير الازمات والانهيارات بالإضافة الى سجلها في الفساد الذي لا يشبهه سجل أسوأ تجارب السلطات الفاسدة في العالم، لكي تبدأ “الحقبة التحررية” الجديدة من هنا.

نبيل بومنصف – النهار