المشاحنات الداخلية في لبنان تُنافِس «الغليان» الاجتماعي

-«القوات اللبنانية» قدّمت مذكّرة من أجل تحقيق دولي بانفجار المرفأ
– وصول تسرب نفطي قبالة إسرائيل إلى شواطئ جنوب لبنان

هل سيكون الخروجُ من المأزق الحكومي في لبنان على وهج «انفجار» داخلي فتيلُه الواقع الاقتصادي – المعيشي الذي يقف على مشارف قفزة جديدة إلى الوراء مع «وثبة» جديدة في سعر صرف الدولار على حافة عشرة آلاف ليرة، أم بفعل انفراجٍ على مستوى الصراع في المنطقة الذي وُضعت بيروت في «عيْنه» خصوصاً في الأعوام الأخيرة، أم أن «نهاية النفق» ستكون على متن مسارٍ مزدوج من «النار والماء»؟

سؤالٌ بات يحتلّ حيزاً واسعاً في إطار محاولات تَقَصّي مآل المأزق السياسي – المالي – الاقتصادي في لبنان، وسط تسليمٍ بأن مرحلة الإنقاذ لن تكون إلا وليدة «المخاض الإقليمي» خصوصاً في ما خص النووي الإيراني وملحقاته، وخشيةٍ من أن تسبق الانهياراتُ المتسارعة معيشياً اكتمال التسويات أو الصفقات في المنطقة، بحيث تفرض تداعيات انفلات الاستقرار نفسَها على أي تفاهماتٍ ذات صلة بالواقع اللبناني، إذا صحّت التقديرات بأن لا حاجة لتوتير ميداني «متعمّد» في «بلاد الأرز» ليأتي الحلّ على «قياسها».

ومن هنا ترى أوساطٌ مطلعة أن المشاحناتِ السياسية في لبنان والتي توسّعت في الساعات الماضية على خط فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وكل من الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس «المردة» سليمان فرنجية كما الأحزاب المسيحية الأخرى المُعارِضة للعهد، ما هي إلا تعبير عن «الوقت الضائع» الإقليمي الذي لا يتيح بعد رميَ «حبال النجاة» للبنان والتي يصعب حتى استشراف إذا كان ممكناً أن تأتي على قاعدة حلول مجتزأة، على غرار ما حَصَلَ بعد الاتفاق النووي 2015 أم أنها باتت رهن حل متكامل لا يُعرف كيف يمكن بلوغه «على البارد».

واستوقف الأوساط، أنه فيما كان المناخ الروسي الذي عبّرت عنه مواقف واضحة نُقلت عن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف يُلاقي إلى حد ما موقف طهران الذي عبّرت عنه مقاربة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله للملف الحكومي وتحديداً برفْض حصول أي فريق لوحده على «الثلث المعطل»، وهي النقطة التي يُصوَّب فيها دائماً على فريق عون، فإن هذا التقاطع الصريح مع عواصم عربية وغربية والذي كان يُفترض أن يرفد مهمة الحريري بمقوياتٍ تسرع استيلاد الحكومة سرعان ما أعقبه عودة الأزمة الحكومية خطوات إلى الوراء ولاسيما بعد الأجواء الساخنة التي سادت كلمة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والردود عليها.

وإذ حجب غبار عاصفة التعليقات على مواقف باسيل أي «أَثَرٍ» للمبادرة التي أطلقها على قاعدة توسيع الحكومة إلى ما بين 20 و24 و«تفويض» حزب الله اعتماد معيار سيقبل به التيار، وتعميم صيغة «الوزير الملك» المسيحيّ على المسلمين، مع علامات استفهام كبرى أثارها جعْل الحزب والرئيس بشار الأسد بمثابة «الضمانة» لحقوق المسيحيين «الأقوياء» بإزاء «التفاهم السني – الشيعي الذي يُعمل عليه في المنطقة»، فإن البارز أمس أن سياق الردود اتسع ليشمل «المردة» الذي قال رئيسه سليمان فرنجية «لا سمعتو (لباسيل) ولا بدي اسمعو… بلا ما ضيّع وقتي»، والأهمّ حركة «أمل» برئاسة بري.

وقد اختار شريك «حزب الله» في الثناية الشيعية الردّ بعنف على رئيس «التيار الحر» من دون تسميته عبر بيان المكتب السياسي لـ «امل» الذي انتقد «تعنت بعض القوى السياسية التي لا ترى إلا مصالحها، ولا تفتش إلا عن تحقيق سيطرتها بأوهام القوة التي تتلطى خلفها، وبابتداع الأزمات للتغطية على عجزها وفشلها»، معلناً «الأوان حان لوقف المتاجرة بالمواقف ورهن الوطن للمصالح والأهداف الموهومة»، ومؤكداً «أن البلد يحتاج لحكومة خارج لعبة الشروط ومحاولات التذاكي عبر ابتكار عوامل تعطيل بدل التسهيل، وجعل الدستور مطية عرجاء لتفسيرات همايونية»، واللعب مجدداً على أوتار الطوائف والمذاهب والحقوق، وداعياً للسير بمبادرة بري«التي تؤسس لحكومة لا أثلاث ولا أرباع ولا حصص فيها لأي طرف».

وفيما كان السفير السعودي وليد بخاري يطل مجدداً على الواقع اللبناني بعد زيارته شيخ عقل الطائفة الدرزية نعيم حسن حيث أعلن أن«لبنان رسالة حضارية وحتماً ستنتصر تطلعات الشعب اللبناني على الرغم من كل الصعوبات والأزمات التي يعاني منها»، مشدداً على أن«المملكة العربية السعودية ستبقى إلى جانب الشعب اللبناني والمؤسسات الدستورية لتعزيز الاستقرار وعودة الازدهار الى ربوع لبنان»، برز أمس استقبال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي التي أوضحت أن الزيارة «تأتي في سياق دعوة البطريرك الراعي لعقد مؤتمر دولي من أجل لبنان»، وانها استمعت الى آرائه في هذا السياق، معربة عن «وقوف الأمم المتحدة دائماً الى جانب لبنان الذي هو عضو مؤسس فيها».

وفي موازاة ذلك، ردّت اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام على هجوم المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان على مبادرة الراعي، مبدية الأسف لأن يكون «أحد الذين تسرّعوا في اطلاق الأحكام المسبقة على الدعوة الى المؤتمر الدولي بدل إجراء قراءة متأنية للأسباب الموجبة التي دفعت لإطلاق هذه الدعوة، وهي الخوف على صيغة لبنان من المشاريع الغريبة عن الكيان اللبناني والمستوردة من دولة من هنا ومشروع من هناك، ومثل هذا المؤتمر هو الذي يحمي لبنان من الاحتلال ويرفع الوصاية المقنّعة عنه ويستعيد سيادته وقراره الحر المخطوفيْن، والمطلوب اليوم حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية وحدها وإلا ينزلق البلد عندها الى الكانتونات الجهنمية».

وفي حين انطلقت أمس أول خطوة في اتجاه تدويل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت مع تسلُّم نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة مذكّرة من كتلة «القوات اللبنانية» موجهة الى الأمين العام تطالب بتحقيق دولي في هذا الملف الذي عاد لبنانياً الى النقطة صفر مع تعيين محقق عدلي جديد فيه هو القاضي طارق بيطار، تابع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب قضية «التسرب النفطي من باخرة للعدو الإسرائيلي الذي وصل الى الشواطئ اللبنانية في الجنوب، وكلف وزيري الدفاع والبيئة في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر ودميانوس قطار والمجلس الوطني للبحوث العلمية، متابعة الموضوع لجهة إبلاغ قوات اليونيفيل لوضع تقرير رسمي في هذا الخصوص، وكذلك لجهة التعامل مع هذا التسرب وأضراره».