الجيش اللبناني وقائده الخطّ الأحمر الأخير


بقلم مجد يوسف

لا تقوم الأوطان من دون الجيوش القويّة، ومتى اختلّت جيوشها اختلّ ميزان وجوديّتها، وصارت لقمة سائبة للقريب والبعيد. وذلك لسهولة التطاول على أمنها. أخلاقيًّا ووطنيًّا لا يجوز التطاول على هيبة المؤسسة العسكريّة وإلا اعتُبِرَ ذلك تطاولا على حقيقة وجود الوطن، وأيّ مواطن في دولة ما تسوّله نفسه لارتكاب هكذا حماقة لا يكون بريئًا من الشبهات التي يحملها في قرارة نفسه ضدّ حقيقته الوطنيّة.
وفي هذا السياق، شهدنا حملة صحفيّة مبرمجة وممنهجة ليست بريئة إطلاقًا ضدّ الجيش اللبناني، قادتها صحيفة الأخبار المفترض أن تكون لبنانيّة الانتماء، لكن على ما يبدو من مواقف هذه الصحيفة هي صارت في مكان آخر بعيدًا كلّ البعد من الانتماء الوطني. بدأ هذه الحملة الصحافي حسن علّيق بمقال له على خلفيّة طلب قيادة الجيش التحقيق مع الصحافي رضوان مرتضى الذي يعمل في الجريدة عينها، وتابع في النهج نفسه الصحافي إبراهيم الأمين أيضًا. لكن على ما بدا من المقالات التي نُشِرَت في هذه الصحيفة أنّ هذه الحملة لا ترتبط بما برّره المسؤولون عنها.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مرتضى وعن سابق تصوّر وتصميم ذهب إلى اتّهام الجيش بالتقصير في قضيّة المرفأ، منصّبًا نفسه قاضيًا أو محقّقًا عدليًّا، وراح يوزّع المسؤوليّات يمينًا ويسارًا.

ومقال الصحافي مرتضى، المرتضى عليه من الحزب الذي ينتمي إليه، يخدم مباشرة أهداف مَن يعتبره هذا الحزب عدوًّا له ويحاربه منذ سنين، ويتحصّن بترسانة من الأسلحة، خارج إطار الشرعيّة الوطنيّة، ضاربًا بذلك وجوديّة الجيش اللبناني على حساب وجوديّة سلاحه غير الشرعي. والمفارقة كيف خرج أمينه العام طالبًا من الجيش اللبناني أن يعلن ما توصّل إليه التحقيق بهدف تبرئة نفسه من انفجار المرفأ. لكأنّ مسؤوليّة الجيش إطلاق التّهم جزافًا أو تبرئة أحد. وبالتّالي، الجيش يضع تحقيقاته عند القضاء المختصّ وهو الذي يفرج عمّا لديه من تقارير، ويخضع للأحكام كما تنصّ عليها النّصوص القانونيّة.

من هنا، كان الحريّ بالمرتضى وفريق عمله أن ينوّهوا بطريقة عمل الجيش المؤسّساتيّة حيث نجح ككلّ مرّة في الفصل بين السلطات والتأثيرات السياسيّة، عوض كيل الاتّهامات على خلفيّات تبريريّة لوجوديّة غير مشروعة لحزبه المسلّح بطريقة غير شرعيّة على حساب وجوديّة الدّولة، والوطن، والكيان، والجيش. فهذه الحملة المبرمجة التي تحصل من قبل هذا الفريق واضحة الأهداف والتي على ما بات من المؤكّد، أنّه يقصد ضرب آخر ركائز الدّولة في لبنان، بعد أن أدّت سياساته المباشرة وغير المباشرة إلى ضرب ركيزتين وجوديّتين:

-الركيزة السياسيّة حيث بات لبنان اليوم يعيش من دون أي استقرار سياسي.
-الركيزة الماليّة – المصرفيّة التي لم تتهاوَ إلى هذا الدّرك حتّى إبّان الحرب الأهليّة البغيضة.
فهذه المرّة الأولى منذ نشوء لبنان حتّى اليوم التي نشهد فيها هذا الانهيار على المستوى السياسي، والمالي، والاقتصادي، والمصرفي، والسياحي ، والخدماتي: الصحّي والتعليمي، لا بل التّركيبة المؤسّساتيّة الاقتصاديّة كلّها حيث باتت الدّولة برمّتها هشّة يتطاول عليها مَن يشاء مِن أمثال مرتضى وحزبه الأصفر. ومن الواضح أنّ هذا الفريق يعدّ عدّته وعتاده وعديده السياسي، ومن يعرف إذا كان يقوم أيضًا بإعداد عديده العسكري، لضرب آخر ركيزة تقوم عليها الدّولة اللبنانيّة وهي الجيش. ففي حال انهيار الجيش اللبناني يدخل لبنان كلّه في حالة فوضى، وتنهار الدّولة. وذلك لأنّ هذا الفريق يعتبر نفسه الأقوى على الأرض وهو القادر على بسط هيمنته من خلال فرضها فرضًا بقوّة سلاحه غير الشّرعي.

وبالتّالي، يرى هذا الفريق أنّ هذه هي المرحلة المناسبة لضرب آخر ركيزة من ركائز الدّولة، والاستقرار والوجود التي تقوم عليها الدّول والكيانات الوطنيّة، أي الجيش. ويريد تشويه صورة هذه المؤسسة التي تحمي النّاس والمؤسسات في الدّولة، ويعمل عمدًا على إسقاطها حتّى يتوصّل إلى ما يضمرُه ويعلنه حلفاؤه، أيّ المؤتمر التأسيسي. ومن أجل ضرب الدستور وإسقاط الدولة في لبنان.
وهذا المخطّط الدنيء بات مكشوفًا لدى النّاس الوطنيين جميعهم وجميعهنّ. والرّأي العام اللبناني سيقف جنبًا إلى جنب هذه المؤسسة التي دافعت وما زالت تدافع وتدفع الأثمان الغالية عن لبنان كلّه، من دون أيّ تمييز بين مواطنيه. ولن يسمح اللبنانيّون بإدخال لبنان في الفوضى من خلال ضرب آخر ركيزة فيه، لا بل هي العامود الفقري الذي يمنع هذه الفوضى. ومن الواضح أنّ هذا الفريق يحاول تدجين قائد الجيش الذي يعمل مؤسّساتيًّا، ومهنيًّا.

وقد اعتاد العماد أن تكون المؤسّسات بخدمة الوطن الذي ينتمي إليه، ولم يعتد أبدًا أن يكون قائدًا لمؤسّسة عسكريّة وحسب؛ وذلك كلّه انطلاقًا من وعي ضميره الوطني ومناقبيّته المهنيّة، ووطنيّته، ولا ينحاز إلى أيّ فريق على حساب آخر. لا ينحاز إلا إلى وطنه والمؤسسة التي نذر نفسه لها. وبالتّالي هذه الحملة كلّها عليه، هي لأنّ هذا الفريق، يريد أن يكون على غرار كثر آخرين في مراحل سابقة وحالية، بخدمته؛ بينما هذا القائد لا يعمل إلا لمصلحة الوطن والمؤسسة؛ والنّاس كلّها من دون أيّ استثناء أو تمييز. وهو لا يدخل في متاهات هذا الفريق أو ذاك ليصون الجيش وليبقى الوطن.