عام2020 عام الانتخابات الأميركية والتطبيع وكورونا


إنه بالتأكيد أسوأ الأعوام على البشرية في تاريخها الحديث. إنه العام 2020 الذي اعتقد كثيرون أن “أرقامه المميزة” ستحمل الحظ للعالم المنكوب بكوارثه وأزماته. إلا أن كل هذه الأمنيات الشكلية، إذا صح التعبير، ذهبت سريعا أدراج الرياح، على وقع الأحداث الكارثية التي حملها بين سطوره ابتداء بوباء كورونا وانتهاء بالعجز التام أمام وقف آلته الهمجية المدمرة، في انتظار ما ستنتهي إليه تجربة اللقاحات المتعددة ضد الجائحة.
ترك العام 2019 إرثا ثقيلا لخليفته العام 2020 إرثا ثقيلا تمثل أولا في الانتشار المرعب لجائحة كورونا، إلى حد شل الحياة الانسانية بشكل تام، والاجهاز الكامل على النشاطات الاقتصادية في مختلف دول العالم، ما يفسر تدهور أقوى العملات ونسب الوفيات المرعبة المسجلة بين الناس، وارتفاع معدل النشاط الطبي حول العالم… على أن الأهم يكمن في أن الكرة الأرضية تعايشت مع هذا الوباء والتغييرات التي ادخلها إلى حياة الناس لتسجل أحداثا سياسية مهمة، تستحق التوقف عندها، تماما كما العدد الهائل من الوفيات التي سجلت في الوسطين الفني والرياضي في خلال العام الذي يستعد العالم لتوديعه من غير أسف.
ولا شك في أن إثنين لا يختلفان على أن الحدث الدولي الأبرز خلال الـ 2020 كان الانتخابات الرئاسية الأميركية التي وضعت حدا لولاية الرئيس الأميركي الأكثر إثارة للجدل، دونالد ترامب. فكان أن عاد الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، على أن يكون هذه المرة رئيسا لأقوى دولة في العالم بعدما كان نائبا للرئيس في عهدي باراك أوباما. دفع ترامب إذا ثمن خياراته السياسية المتهورة في الداخل والخارج، في معركة انتخابية لا يريد الاعتراف بنتائجها، فرفع عددا من الدعاوى الخاسرة لقلب النتائج لصالحه في بعض الولايات. وهو اليوم يدعو أنصاره إلى التظاهر أمام مقر الكونغرس احتجاجا على مآل الانتخابات.
في المقابل، يعد بايدن العدة بهدوء لبدء ولايته الرئاسية في 20 كانون الثاني. وإذا كان الجميع يتوقعون منه مقاربة هادئة لملفات نارية مثل قضايا الشرق الأوسط والعلاقة مع الصين وروسيا وايران، فإن الرجل أبى إلا أن يسجل سابقة كبيرة حتى قبل بدء مشواره الرئاسي، فرسا على خياره على كامالا هاريس كنائبة للرئيس، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب، إضافة إلى تسمية عدد من أصحاب البشرة السوداء في المواقع الحساسة ردا على قرارات وممارسات عنصرية طبعت ولاية ترامب. ولا شك في أن على رأس هذه القائمة إقدام الشرطة على قتل مواطن أسود، جورج فلويد، بوحشية، ما فجر تظاهرات حادة في الولايات المتحدة، وحول العالم بدت إشارة قوية إلى أن ترامب سيخسر السباق إلى البيت الأبيض.
على أن الرجل حرص على مراكمة الانجازات ذات الطابع الدولي لإعطاء الأميركيين وشركائهم الدوليين إشارات ايجابية تضمن له العودة السلسلة إلى البيت الأبيض. بدليل أن ترامب، عراب مشروع صفقة القرن الذي لا يخدم أحدا بقدر ما يصب في مصلحة الكيان العبري، أطلق مسار تطبيق هذه الخطة بإشراف صهره ومستشاره الأول، جاريد كوشنير، في موازاة أولى موجات التطبيع العربي مع اسرائيل، الذي استجابت له دول خليجية كالامارات والبحرين، إضافة إلى المغرب (الذي أعاد ضخ الحياة في عروق علاقاته مع تل أبيب) والسودان الذي نال جائزة قيمة، بحجم نزع اسمه عن لائحة الارهاب الأميركية.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن تطبيع العلاقات بين اسرائيل والمغرب، أتى فيما كانت الدار البيضاء تلعب دور الوسيط في حل النزاع في ليبيا الذي يبدو هامشيا أمام معركة العالم مع ايران. ففيما يحبس الناس أنفاسهم في انتظار المقاربة الديموقراطية للملف النووي، تستمر إدارة ترامب في تضييق الخناق الاقتصادي على طهران، بسلاح العقوبات الاقتصادية أولا. غير أن هذا لا ينفي أن الحرب الناعمة بين الجانبين مرت بمحطتين كبيرتين تمثلتا في إغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، بغارة استهدفت سيارته في بغداد. ومعلوم أن القضاء على سليماني، مهندس السياسة الايرانية في الشرق الأوسط هدف ثمين يسجله خصوم طهران في مرماها. عملية أعادتها إلى الأذهان جريمة إغتيال، أب الاتفاق النووي الايراني محسن فخري زاده في عملية نفذت قبل أكثر من شهر، وتصفها السلطات الايرانية بالنوعية، متهمة تل أبيب بالوقوف وراءها، على اعتبار أن اسرائيل هي المتضرر الأكبر من البرنامج النووي الايراني.
وبينما كانت طبول الحرب على ايران تقرع من كل حدب وصوب، اشتعلت الجبهة في شرق البحر الأبيض المتوسط، على وقع الطموحات التوسعية الكبيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. طموح لم تتأخر الدول الأوروبية، على رأسها فرنسا، في التصدي له، بعدما انتشرت السفن التركية في المتوسط. بدليل أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وجه انتقادات قاسية إلى أنقرة من بيروت المنكوبة بانفجار مرفئها، بعدما كان أعطى إشارات إلى أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أمر بعيد المنال.
وبينما تمضي تركيا في حربها للدخول إلى جنة الكيان الأوروبي الموحد، ها هي بريطانيا تتوصل مع شركائها السابقين إلى اتقاق يضمن خروجها السلس منه، بعد أكثر من ثلاث سنوات على استفتاء بركسيت الذي فضل البريطانيون بموجبه أن تحلق بلادهم بعيدا من دول الاتحاد.
ولا شك في أن خروج بريطانيا من الاتحاد يعد إنجازا لرئيس الحكومة بوريس جونسون (الذي انتصر على كورونا) الذي نجح حيث فشلت تريزا ماي. إلا أنه يأتي في وقت عاد الارهاب ليقض مضاجع القارة العجوز، بدليل الاعتداءات الارهابية التي سجلت في باريس، على رأسها ذبح أستاذ التاريخ سامويل باتي على خلفية صور للنبي محمد، كادت تفجر العلاقات بين باريس العلمانية والعالم الاسلامي، لولا زيارة ماكرون إلى مصر، حيث التقى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، ووضع النقاط على الحروف، من دون أن يعني ذلك تخلي باريس عن قيمة حرية التعبير والمعتقد التي تميزها.
وبين كل هذه الأزمات، وفي واقعة لا يمكن فصلها عن توترات شرق المتوسط، انفجرت حرب ضروس بين أرمينيا وجارتها أذربيجان على خلفية الصراع على اقليم ناغورنو كاراباخ. نزاع عسكري انتهى إلى خسارة يرفان ومغادرة الأرمن منازلهم وتراثهم في الاقليم لصالح أذربيجان، في اتفاق هدنة مستغرب. وعلى مستوى القارة السوداء، نزاع آخر بين أثيوبيا وجيرانها على سد النهضة الحيوي، أطاح بشظاياها كثيرا من الضحايا من دون التوصل إلى حل جذري حتى اللحظة.
وإذا كانت جائحة كورونا القاسم المشترك الوحيد بين كل هذه الأحداث، فإن معطى ثانيا يبدو أكيدا: سيتذكر العالم سنة 2020 على أنها عام توديع كبار الشخصيات العربية والعالمية والفنية. ففيما ودعت مصر رئيسها السابق حسني مبارك بعد حياة مديدة مليئة بالأسرار والمحاكمات والسياسة، خسرت السينما المصرية كثيرا من نجوم عصرها الذهبي، بينهم ناديا لطفي شريكة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في نجاحات أشهرها فيلم “أبي فوق الشجرة”، مع النجمة ميرفت أمين.
كذلك، أنهى فيروس كورونا حياة النجمة رجاء الجداوي بعد أسابيع على إعلان إصابتها بالمرض، وهي صاحبة مسيرة فنية مديدة، شأنها في ذلك شأن الممثل الكبير محمود ياسين الذي رحل هذا العام أيضا، بعدما تصدر الفن المصري السابع على مدى عقود، كما هي الحال مع الممثل حسن حسني الذي أسدل القدر الستار على مشواره الفني وحياته بعد رحلة طبع خلالها السينما كما الدراما المصرية، مع يسرا وسواها من أسماء الفن المصري.
على أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي ودعت قادة وكبارا من زمنها، حيث أن رحيل السلطان قابوس قلب صفحة مشعة من تاريخ سلطنة عمان، تماما كما هي الحال مع أمير الكويت على مدى عقود الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بعد معاناة مع المرض. أما الرئيس الفرنسي التسعيني السابق فاليري جيسكار دستان، فأتته الضربة القاضية من فيروس كورونا أيضا، الذي انتصر عليه الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون، ونظيره الأميركي دونالد ترامب.
على أن لعنة الرحيل لم تقتصر على الأمراء ورؤساء الدول، بل طاولت أيضا رؤساء حكومات ووزراء، أولهم رئيس مجلس الوزراء في البحرين الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، إلى جانب وزير الخارجية السوري السابق وليد المعلم، الوجه الديبلوماسي للنظام السوري، الذي خسر أيضا علما بارزا ، انتهى إلى التمرد عليه، نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام. ومعلوم أن مع وفاته، سقط الأقنوم الأخير من ثلاثي الوصاية السورية على لبنان، بعد رستم غزالي وغازي كنعان.
أما على الصعيد العالمي، فالوداعات المفجعة لا تقل عددا بدءا مع آخر عمالقة هوليوود، كيرك دوغلاس، والد النجم العالمي مايك دوغلاس، إضافة إلى الممثل البريطاني شون كونري، وهو أحد أفضل من أدى دور العميل البريطاني جيمس بوند في تاريخ السينما.
وفي عالم الرياضة، خسارتان فادحتان لكرة السلة وكرة القدم. ذلك أن تحطم مروحية أنهى حياة أسطورة الدوري الأميركي للمحترفين كوبي براينت، في وقت ألقى العالم قبل أسابيع نظرة الوداع الأخير على أسطورة كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا، صاحب الهدف الأشهر في أحد مونديالات القرن الماضي، وهو الذي امتلأت حياته بالصخب والسهر والمخدرات.
وكما انطلقت الـ 2020 بوداع الاعلامية الزميلة نجوى قاسم إثر نوبة قلبية مباغتة، أبى هذا العام الذي لقب بالمنحوس إلا أن يودع العالم بغياب مصمم الأزياء الفرنسي الشهير بيار كاردان تزامنا مع غياب المخرج السوري حاتم علي.