غاز المتوسط… الحرب القادمة؟!


محمد ناصرالدين

لطالما كانت الطاقة و مصادرها سبباً مباشراً في إندلاع حروب و إندحار شعوب وإختفاء حدود. والزمن القريب كفيل بإغراقنا بالكثير من الأمثلة، فقد اجتاحت الولايات المتحدة العراق طمعاً بآبارِهِ الثّرية واِلتَهَمَ صدام الكويت بعد أن أَغْرَاه احتياطها الضخم والحرب العراقية-الإيرانية لا تخفي صراعاً مريراً حول النفط في شط العرب. هذا ما جعل من الشرق الأوسط مركزاً ملتهباً من الصراعات الإقليمية و الدولية نظراً لغزارة ثرواته النفطية وكثرة الطامعين بها! فهل للغاز الطبيعي قصة مماثلة؟!

القصة بدأت في ٢٠١٠ حين أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية عن احتمال وجود ما يقارب ٣٤٠٠ مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في حوض المتوسط هذا الرقم فتح شهية الدول و بدأت الحكومات الطامحة بتحضير نفسها لدخول جنة الطاقة. وبدأت الأليتان الدبلوماسية والعسكرية بالعمل على مدار الساعة بغية الفوز بأكبر قدر ممكن من المصدر الأقل ضرراً على البيئة. يُذكر أن ‘ظهر’ هو أول حقل للغاز الطبيعي اكتُشف في المتوسط عام ١٩٦٩، يقع قبالة السواحل المصرية .

بالعودة للقانون الدولي، حسب اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بقانون البحار ١٩٨٢ التي تنص على ان المنطقة الإقتصادية الخالصة تمتد حتى مسافة ٢٠٠ ميل من الشاطئ، تطبيق هذا المبدأ أشبه بالمستحيل في حالة البحر المتوسط. فإذا طبقته مصر مثلاً فإنها ستلتهم قبرص. فما الحل إذا؟!
الحل يكمن بالإتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف و هذا الحل بعيد المنال أيضاً.
فالبرغم من العلاقة الجيدة بين مصر و إسرائيل، فإن أنقرة و القاهرة على قطيعة تامة منذ انقلاب السيسي عام ٢٠١٤. كما ان إسرائيل تعيش حالة “أشبه بحالة حرب” مع بيروت و دمشق، كما أن العلاقات التركية-الإسرائيلية تدهورت منذ أزمة سفينة مرمرة، بالإضافة للتوتر المستمر بين تركيا و قبرص اليونانية.
و هذا ما قد ينذر بعواقب وخيمة على شعوب المنطقة في حال أقدمت دولة ما على مغامرة غير محسوبة.
في الواقع، تعتبر تركيا، الدولة القوية عسكرياً، الأكثر تعطشاً للطاقة فهي تنفق حوالي ٤٤ مليار دولار أمريكي سنوياً لشراء الطاقة حيث تستورد ٦٠٪ من حاجاتها من النفط الطبيعي من روسيا و ٢٠٪ أخرى من إيران و أذربيجان. و هذا المصدر لا يعتبر آمناً بالنسبة لأنقرة التي تدهورت علاقاتها مع النظام السوري، الحليف المشترك لطهران و موسكو.
عطش أردوغان للطاقة دفعه لدخول ليبيا عسكرياً و دعم حكومة سراج بالمسلحين و المسيرات بعد توقيع اتفاق امني و آخر خاص بترسيم الحدود البحرية و هذا ما استفز مصر التي أطلقت صاروخ “هاربون” من على متن احدى غواصاتها عشية الاتفاق التركي-الليبي و كأنها تقول: “مهلاً، نحن هنا!”
أما لبنان الذي يعيش أسوا أزماته الإقتصادية منذ سنوات، فإذا استغل جزءاً يسيراً من احتياطاته التي تُقدّر ب ٢٧١٨ مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي فإنه سيوفر الكهرباء ٢٤/٢٤ لعشرين سنة كاملة.
بالنسبة لسوريا، فحكومة الأسد أبرمت العديد من عقود البحث و التنقيب مع الشركات الروسية ما قد يجعل موسكو في قلب المشهد.
الأمر أشبه بهدوء حذر قد لا يطول. هدوء قد ينتهي بحروب مريرة على شعوب المنطقة فالتجارب السابقة ليست مُبَشِّرَة.
يبقى السؤال: هل الغاز الطبيعي سيشعل فتيل الحرب القادمة، أو أنه البداية نحو التنمية المنشودة؟!