شينكر لم ير في مكونات الثورة البديل الصالح من السلطة الراهنة

لم تعد الوسائل التقليدية التي استخدمها الشارع منذ 17 تشرين الماضي، تصلح لمرحلة ما بعد 4 آب. التحركات على الارض، التظاهرات، الاعتصامات، مهمّة بلا شك، لكنها لم تعد كافية. لو كنّا في بلد يحترم نظامه الديموقراطي الفريد من نوعه في المنطقة، ولو كنّا في وطن حكّامه من العقّال المتواضعين الذين ينصتون للناس ونبضهم ومطالبهم، لكان يمكن لنموذج 17 تشرين ان يثمر وينفع. لكن الحال ليست كذلك، تضيف المصادر. وقد أثبتت التطورات السياسية منذ ذلك التاريخ، ان معظم الاحزاب وقوى السلطة، لا يهمّها ما يحصل على الارض، وقد ذهبت الى حدّ تحدّي الناس مرارا، عبر فرض حكومة لون واحد عليهم.

غياب القيادة الموحدة للثورة، وتعدد رؤوسها، باتا يرتدّان سلبا عليها اليوم. هما كانا نقطتي قوّة لها في بدايات الانتفاضة، لكنهما اليوم، تحوّلا الى نقاط ضعف كبيرة لها ولمطالبها… لماذا؟ أتى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت، وقرر تكليف القوى السياسية مهمّة تشكيل حكومة جديدة، مزودا اياها بتوجيهات وخريطة طريق، وبشبه بيان وزاري للمرحلة المقبلة… هو صحيح قابل هيئات المجتمع المدني الا انه اصطدم بغياب الرأس الواحد لها، لإشراكها في هذه العملية، علما ان هذه الجهات اصلا لا ترغب بالجلوس الى الطاولة نفسها مع السلطة التي تعتبرها اساس الفساد والمسؤول الاول عن كارثة المرفأ..

وفي وقت اعترضت أطراف سياسية وعلى رأسها حزب الله على مطلب اجراء انتخابات نيابية مبكرة، في صفعة جديدة للشارع المنتفض ومطالبه، حط في بيروت، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دايفيد شينكر، مساء الاربعاء. الرجل، قرر مقاطعة اهل السلطة جميعهم، وذهب في المقابل نحو الاجتماع بهئيات الثورة والمجتمع المدني واطراف المعارضة السياسية.

ومع ان قوى السلطة دأبت منذ 17 تشرين على تصنيف الثوار كعملاء للسفارات، تبيّن ان هذه “التهمة” في غير مكانها. فمع ان الدبلوماسي الاميركي أبدى تعاطفه مع المطالب التي يرفعونها وعلى رأسها محاربة الفساد، فإنه لم ير فيهم البديل الصالح من السلطة الراهنة، معلنا ان بلاده ستتعاون مع الحكومة التي تشارك فيها الاحزاب كلها وأوّلها الحزب، في حال نجحت في الاصلاح!

امام هذه المعطيات، تقف الثورة وأطرافها اليوم، أمام تحدّي رص الصفوف وافراز قيادة واضحة وهيكلية محددة، تتبنى مشروعا سياسيا كاملا متكاملا، فتتمكن من طرحه امام الجهات الدولية الوازنة المهتمة بالملف اللبناني، وتناقش معها، بلسان وكلمة واحدة، أجندتها ورؤيتها للبنان الغد، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا واستراتيجيا. وعليها ايضا، بتوحيد نظرتها الى المواضيع الساخنة، والتجرّؤ على فتحها، ومنها سلاح حزب الله والعلاقات مع العالمين العربي والغربي. فإبقاء هذه القضايا في الادراج لا يمكن ان يستمرّ، وبات مضرّا للثورة، في مرحلة التسويات والتقلبات الكبرى في المنطقة.

نعم، التظاهرات والتحركات على الارض يجب ان تستمر، لكن من الضروري ان يرافقها مشروع سياسي واضح المعالم، تحمله “قيادة ثورية” معروفة. وسيكون ملحًّا ان تنتهي هذه العملية قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة…