حكومة الانتداب الفرنسي والتفويض الإيراني.. وللأميركيين الكلمة الأخيرة

طويت صفحة التكليف، وفتحت صفحة التأليف. سيعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غداً رؤيته لتشكيل الحكومة وبرنامجها، بعدما اقترح إسم رئيسها على القوى السياسية كلها في لبنان.

ورقة إيرانية لفرنسا
صار مؤكداً أن باريس نجحت في تمرير اسم رئيس الحكومة، وسارع حزب الله إلى تبنّيه. إنها من المرات القليلة التي يسمّي فيها حزب الله رئيساً للحكومة. سمّى حسان دياب، وقبله نجيب ميقاتي في العام 2011، وقبله سليم الحص في العام 1998.

ولا يسمّي حزب الله رئيساً مكلفاً، إلا إذا كان متطابقاً مع مصلحته، ويعبّر عن حاجته. وللقصة بعد إيراني أصبح ثابتاً: منحت طهران هذه الورقة لماكرون، الذي رفض التصويت إلى جانب الأميركيين في مجلس الأمن لتشديد العقوبات على طهران، وفي التجديد لقوات اليونيفيل.

شينكر لن يلتقي السياسيين
يشكل أديب نقطة تقاطع إيرانية فرنسية في لبنان. من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج خارج هذا التقاطع وخارج المشهد. منحت واشنطن فرصة لماكرون ليحاول. والأرجح أن الإدارة المنشغلة بالانتخابات الرئاسية وقفت في موقع المتفرج.

واليوم الثلاثاء يلتقي ماكرون كل الزعماء السياسيين اللبنانيين، ويعمل على تجديد التسوية في ما بينهم.
لكن شينكر الذي يصل الأربعاء لإلى بيروت، لن يلتقي بالسياسيين. وهذه رسالة واضحة لماكرون وللبنانيين. تنتظر واشنطن ما يمكن لباريس أن تحققه، مع تأكيدها على عدم تقديم أي مساعدات للبنان.

وفي الصورة العامة تبدو واشنطن خارج المشهد. وهذا حتماً ينعكس على 800 مليون دولار تقدمها سنوياً للبنان. قد تلجأ أميركا إلى وقف هذا الدعم، إذا لم يتحقق لها ما تريد من مصالح استراتيجية بفعل المبادرة الفرنسية.

برنامج ماكرون اللبناني
يمتلك ماكرون تصوراً كاملاً للحكومة، حسبما تكشف المعلومات. التصور كان قد عرضه عندما زار لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت، ويعيد عرض تفاصيله في زيارته الحالية: حكومة لا تتمثل فيها وجوه سياسية، تشهد تغييراً جوهرياً في بنيتها ومهامها وبرنامجها. يركز ماكرون على البرنامج الذي أصبح واضحاً أن فرنسا ترعاه وتحدد بنوده. سيدفع الرئيس الفرنسي إلى تشكيل سريع للحكومة، على الرغم من بروز صعوبات في وجه بعض القوى اللبنانية، خصوصاً التيار العوني الذي يجد نفسه أمام شروط قاسية عليه، لا سيما إذا تمسك الفرنسيون بمبدأ المداورة في الحقائب، وعدم تسليم أي شخص محسوب على التيار وجبران باسيل وزارة الطاقة مثلاً. كما أن باريس هي التي تريد تولي ملف الكهرباء مباشرة.

وما ينطبق على التيار العوني ينطبق على قوى أخرى، حول ضرورة تقديمها تنازلات عن حصصها ومكاسبها في الحقائب، حسب الرؤية الفرنسية المفترضة.

حكومة ومرحلة انتقاليتان
الوزراء سيكونون من التكنوقراط. الأهم لدى الفرنسيين هو برنامج الحكومة، وليس الأشخاص والأسماء، على أن تكون حكومة في مرحلة انتقالية، قد تؤسس لصيغة جديدة في حكم لبنان. وربما تؤسس لإبراز شخصيات جديدة يكون لها دور، بدلاً من الاستمرار بشخصيات قديمة.

تبقى العبرة في تأليف الحكومة وشكلها وتركيبتها، والوقت الذي تستغرقه لتولد. ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا ما كانت فرنسا تمتلك التصور كاملاً، وما على اللبنانيين إلا الإلتزام به وتطبيقه، أم أن هناك عقبات كثيرة تعترض طريق ولادة الحكومة.

في انتظار الانتخابات الأميركية
ليس بسيطاً أن يمرر ماكرون مثل هذه الحكومة، بعد أسابيع على موقفه من ضرورة الذهاب إلى ميثاق لبناني جديد، وبعد تلقف رئيس الجمهورية ميشال عون، وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، هذه الدعوة. وهنا يمكن توصيف الحكومة والمرحلة بأنهما انتقاليتان، لما يتأسس عليهما لاحقاً.

ولبنان اليوم أمام خيارين: انتظار نتائج الانتخابات الأميركية، لمعرفة الوجهة التي ستسلكها الأمور، وإما أن تستمر واشنطن على موقفها وزيادة ضغوطها بمعزل عن المسار الفرنسي. وبالتالي تستمر العقوبات ووقف الدعم والمساعدات. ما يعني المزيد من الانهيار، إلى أن تقرر واشنطن تغيير موقفها أو تتحقق مصالحها.

صحيح أن فرنسا مررت هذه التسوية الحكومية من دون مشاركة أميركية. ولكن لا أحد قادر على تمرير مساعدات للبنان من دون موافقة مرتبطة بتحقيق الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة.

 

منير الربيع-المدن