“القوات”: اللامركزية الموسّعة هجوم في وجه المثالثة


لاقت مواقف رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في ذكرى أيلول الشهداء صخباً كبيراً في صفوف الرأي العام، فأطلقت التوصيفات راسمةً الخطاب على أنه سوطٌ بنبرة صوت كرّس المواجهة التي اختار فيها جعجع التموضع في خانة الهجوم. وقد ترجم صدى السوط الأعلى لحظة أتى الصوت على ذكر اللامركزية الموسّعة، هذا المصطلح الذي أثار موضوع نقاش حول الهدف الذي أراده جعجع من طرحه في التوقيت والمناسبة.

تفيد المعطيات التي تؤكّدها أوساط بارزة في معراب عبر “النهار” بأنّ “الغاية من طرح موضوع اللامركزيّة الموسّعة في خطاب جعجع، يتمثّل في ايصال رسالة واضحة المعالم إلى المعنيين بأنّ ثمّة بنداً أساسيّاً لم يطبّق في اتّفاق الطائف حتى يومنا، ما حال من دون قيام الدولة، ألا وهو بند تسليم سلاح الميليشيات. الانطلاقة في خطاب جعجع ومعانيه، تتجسد من خلال مقاربته على ضرورة تطبيق الفقرة السياديّة من اتفاق الطائف. أمّا طرح اللامركزية، فغدا سلاحاً هجوميّاُ في الخطاب في وجه التلويح بالمثالثة، وكأنّ رئيس القوات يتوجّه بحزم الى دعاة الطرح أو المروّجين له بالقول إنّهم مخطؤون في الكلام عن مؤتمر تأسيسيّ والتهويل به، على طريقة أنهم الأقوياء ونحن الضعفاء. وإذا كان لا بدّ من مؤتمر تأسيسيّ فإنّنا من سيضع البندين الأول والثاني على قائمة البنود: اللامركزيّة الموسّعة والحياد؛ مع الاشارة الى أن هناك تصوراً كاملاً لدى القوات حول كيفية تطبيق اللامركزية الموسعة”.

يرى مواكبو موقف جعجع أنّه أطلق موقفاً متقدّماً على مقياس الانتقال من ردّة الفعل الى الفعل ومن خانة الدفاع إلى وضعية الهجوم من خلال رسم شروط أيّ عقد سياسي جديد. وتبدو معراب حازمة في التأكيد أن خطاب أيلول يقطع الطريق أمام عمليات التعليب والرقص على أحرف المصطلحات المنادية بدولة مدنيّة، في وقت لا بدّ من التذكير بادئ ذي بدء، بأنّ لبنان دولة مدنية بقوانينها. أمّا إذا كان المقصود بشعار الدولة المدنية الوصول الى قانون احوال شخصية موحّد، فإنّ “القوات” تبدي كامل الانفتاح حول مناقشة الموضوع، لكنّها ترسم علامات الاستفهام حول ما إذا كانت بعض القوى السياسية الأخرى، وفي طليعتها تلك المنادية بشعار الدولة المدنية، منفتحة على السير بخيارات من هذا النوع، خصوصاً أن التجارب السابقة اثبتت زيف مضمون الطروحات الرنانة، إذا كانت قوانين التصدي للعنف ضدّ المرأة تتطلّب عناءً لتمريرها. من هنا، يكمن الاستنتاج الذي ترسمه “القوات” في هذا الموضوع، بأن المزايدة التي يمارسها البعض تحت مظلة شعار الدولة المدنية، تنطلق من خلفية سياسية أبعد ما يكون عن الدولة المدنية في وقت الأهداف الاساسية غير المخفيّة لدى أحد الأحزاب تنطلق من اعتبارات دينية.

نشطت حركة الاتصالات على خطّ معراب في الساعات الماضية. وتفيد المعلومات بأنّ اتّصال رئيس “القوات” بالرئيس المكلّف تشكيل الحكومة مصطفى أديب، أتى للتأكيد بألّا مشكلة شخصية معه في وقت كان أبلغ جعجع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بأنّ عدم السير في التكليف مرتبط بأداء المنظومة الحاكمة التي أثبتت عدم تمكين الرؤساء وعرقلة مسيرتهم. من هذا المنطلق، أوضح جعجع لأديب أن المشكلة هي مع الفريق الحاكم وليست مع تكليفه. وتحدّث جعجع في موضوع تشكيل الحكومة قائلاً إنّه لا بدّ من اختيار تركيبة حكومية متناسبة مع متطلبات المرحلة على أن يكون الفريق الوزاريّ متجانساً من اختصاصيين مستقلّين. وتكوّنت صورة لدى “القوات” بأن الرئيس المكلّف يسعى الى انجاز مهمّته وهو حتى الساعة لا يردّ على أحد في عملية اختيار وزرائه ولا يسمح بتأثير أحد على التشكيلة. ونصح جعجع أديب باختيار طريق واضحة والاعتذار عن التأليف إذا عُرقلت مهمّته، لئلا يصادف تجربة سلفه في رئاسة الحكومة، قائلاً: “إذا لم تستطع اختيار التشكيلة الوزارية التي تناسبك، عندها يكون الاعتذار هو الحل”. وفي سياق آخر، أجرى جعجع اتصالاً مع وزير الداخلية محمد فهمي دقّ فيه جرس الإنذار حول ما يحصل من مظاهر غير مقبولة في المخيمات الفلسطينية.

على خطّ التأليف، تقول أوساط مواكبة عبر “النهار” إن “حركة الرئيس المكلف لا تزال تندرج في إطار المشاورات. ولا يتدخل رؤساء الحكومة السابقون في عملية اختيار الاسماء التي يتولاها أديب شخصيّاً. ويبقى الحذر واجباً لناحية الافراط في التفاؤل بما يخص تجربة الحكومات السابقة مع العهد التي لا توحي بالتفاؤل أبداً ويرجّح أن العقلية لم تتبدل حتى الآن، لكن المؤكد أن مرحلة التأليف لا يمكن أن تستمر أشهراً بل إن سقفها الزمني أيامٌ معدودة ستنقضي مع انتهاء مهلة الأسبوعين الموضوعة بين تاريخ التكليف ولحظة التأليف”.

أما في الخلاصة التي تؤكدّها معراب، فإن باب الانفتاح قائم انطلاقا من موقع “القوات” كفريق سياسي أساسي يتعامل وفق قاعدة ما يتناسب مع البلاد. فإذا نجح الرئيس المكلف في المهمة الموكلة اليه ستكون “القوات” إلى جانبه. واذا كان تموضع معراب واضحاً في المعارضة، لكنها لا تتردد في إبداء رأيها والتواصل مع المعنيين للدفع بالأمور إلى الحلول المرجوّة.

مجد بو مجاهد