البطريرك الراعي: لحكومة طوارئ مصغّرة والحياد بالسياسة الخارجية

عاد البطريرك الماروني، مار بشارة بطرس الراعي، للتأكيد على دعوته إلى الحياد، بوصفه “من صميم الكيان اللبناني”. جاء ذلك في عظة اليوم الأحد، التي ألقاها في الصرح البطريركي بالديمان.

وقال الراعي: “شهر مضى على كارثة انفجار مرفأ بيروت، بل جريمة تفجير هذا المرفأ. نعم، ما جرى هو جريمة أكان ناتجاً عن إهمال، أو عن تواطؤ، أو عن عمل إرهابي، أو اعتداء. شهر مضى والأحزان مفتوحة والعذابات تتوالى والضحايا تتزايد. وإذ نكرر تقديرنا العمل المتفاني الذي تقوم به أجهزة الإسعاف والدفاع المدني والفرق الآتية من دول صديقة بحثاً عن المفقودين، نجدد تعازينا إلى جميع العائلات وتمنياتنا بالشفاء للمصابين. ما كانت بيروت مكسورة مثلما هي اليوم، وما كانت عازمة على النهوض وملاقاة الشمس مثلما هي اليوم. ستعود بيروت سيدة الشرق والمتوسط، وستعود مركز النهضة الثقافية والتربوية والاقتصادية، بإذن الله وشفاعة سيدة لبنان وقديسيه.

مخاطبة الرئيس المكلّف
وتوجه بكلامه إلى “الجماعة السياسية” قائلاً: “لا يمكن أن تستمر في نهجها القديم بعد زلزال انفجار مرفأ بيروت، وما خلف من ضحايا ونكبة ودمار، وبعد وصول الحالة الاقتصادية والمالية والمعيشية إلى الحضيض، وبعد أحد عشر شهراً من حراك الثورة الرافضة لاستمرارية الوجوه إياها القابضة على ناصية الدولة منذ عقود، والفساد والمحاصصة والإهمال العام، وبعد الشلل الذي ما زالت تسببه وبكثرة جائحة كورونا منذ حوالى ثمانية أشهر.

بعد كلِ هذه الأمور، من الواجب تأليف حكومة تكون على مستوى الحدث الآني والمرحلة التاريخية. يستطيع الرئيس المكلف ذلك إذا التزم بالدستور والميثاق والديمقراطية الحقة. فإلى الآن كان الخروج عنها نهجاً توافق أهل السلطة فيه على المحاصصة والزبائنية والفساد والانحياز، فكان بالتالي انهيار البلاد”.
وخاطب مصطفى أديب: “فيا أيها الرئيس المكلف، ألف حكومة طوارئ، مصغرة، مؤهلة، قوية، توحي بالجدية والكفاية والأمل، تثق بنفسها، وبها يثق الشعب، ولا تسأل ضمانة أخرى. فلا ضمانة تعلو على ضمانة الشعب. ونحن معه. فالزمن المصيري يستلزم حكومة من الشعب وللشعب، وليس من السياسيين وللسياسيين. الزمن المصيري يستلزم حكومة لا احتكار فيها لحقائب، ولا محاصصة فيها لمنافع، ولا هيمنة فيها لفئة، ولا ألغام فيها تعطل عملها وقراراتها. الزمن المصيري يستلزم حكومة تتفاوض بمسؤولية مع صندوق النقد الدولي، وتطلق ورشة الإصلاح الفعلية، وتحيد لبنان عن الصراعات وتحيد اللبنانيين عنها. تعيد للناس ودائعهم المصرِفية، تنقذ العملة الوطنية، تستقطب المساعدات الدولية، تعيد بناء العاصمة والمرفأ، توقف هجرة العائلات والجيل الصاعد، تسرع في ترميم المنازل ليبيت الناس فيها قبل الشتاء، تؤمن عودة الجامعات والمدارس وتوفر لها المساعدات اللازمة. إن لم تكنِ الحكومة بهذه المواصفات ستموت في مهدها”.

عدم الانحياز
وأضاف الراعي: “وكم نتمنى أن تدخل الحكومة العتيدة في بيانها الوزاري برنامج العمل على تحقيق ما اعتمدته الحكومات المتتالية من سنة 1943 إلى 1980، وهو أن سياسة لبنان الخارجية الحياد وعدم الانحياز. وقد شرحنا معانيه وقيمته في مذكرتنا التي أصدرناها في 7 آب الماضي.

فالحياد، الذي هو من صميم الكيان اللبناني، لأمر إنقاذي وجودي في الداخل، يمكن لبنان من تأدية واجبه ورسالته، وفي الخارج يعزز تضامن لبنان مع قضايا الشعوب. جميع الجماعات اللبنانية سعت عبر التاريخ، القديم والحديث، إلى تحييد نفسها عن صراعات المنطقة. وكلما كانت تلتزم الحياد كانت تنجو بنفسها وبالبلاد، وكلما كان يراودها إغراء الانحيازِ الجارف كانت تصاب بالخيبات وتجر الويلات إلى لبنان وشعبه. نصلي إلى الله في هذا الظرف العصيب أن يحمي لبنان”.