جنبلاط يبدأ “المعركة” ويطالب بتحقيق دولي: لبنان مهدد بكيانه

مئة سنة على لبنان الكبير. وها هو اليوم مهدد بصيغته وكيانه في ظل ما يعيشه من أزمات وكوارث متلاحقة.

بكركي والمختارة
لا أحد يستشرف المخاطر كاستشراف ركنين أساسيين من أركان ذاك الـ”لبنان الكبير”: بكركي والمختارة.

وغالباً ما يكون التلاقي بينهما استراتيجياً في أبعاده، للحفاظ على وحدة هذا الكيان وتنوّعه. ومنذ أسابيع استشرفت بكركي حجم المخاطر المحدقة والمهددة للصيغة. ووليد جنبلاط يصرخ منذ سنوات من هول ما يرى من انتهاء النموذج اللبناني وذوبان حدوده. وهكذا تلتقي بكركي والمختارة مجدداً على مطلب واحد.

طالبت بكركي بإعلان الحياد. فأيدها كثر، ومنهم المختارة، فيما أعلن وليد جنبلاط مراراً وتكراراً: “أثناء صراع الأمم احفظ رأسك”. وهو في هذا يتجنب أن يستمر في حمل نعوش البشر، وألا يشهد على تشييع لبنان إلى مثواه الأخير.

لا ثقة بالسلطة
الصراع الدائر اليوم قادر على الإطاحة بلبنان وميزاته وتوازناته. وهذا ما تخشاه بكركي والمختارة معاً. فوليد جنبلاط يحافظ على استثنائيته: في الملمات يخرج لتصويب الوجهة، وتقديم الطروحات المختلفة عما هو سائد.

قال جنبلاط كلمته اليوم الخميس 6 آب، مطالباً بلجنة تحقيق دولية لكشف ملابسات ما جرى في مرفأ بيروت وانفجاره، لأن لا ثقة في السلطة القائمة ولا في الحكومة في مثل هذه الأمور الخطيرة. ولمّح جنبلاط إلى حدث كبير وغير بسيط وراء التفجير: طرح تساؤلات عديدة، يُفترض بأي تحقيق دولي أن يكشفها.. وحمّل محور الممانعة مسؤولية ما حصل.

وصاية دولية
إلى جانب المطالبة بالتحقيق الدولي، يتلاقى جنبلاط مع دعوة بكركي إلى الحياد. ويعني أن لبنان سيكون تحت وصاية دولية ولو غير معلنة. لا أحد في لبنان قادر على إدارة شؤونه: من الوضع المالي، إلى الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي. وهذه كلها أصبحت ترتبط بالخارج. فحتى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات، مؤشر على المراقبة الدولية لكل الوضع المالي والاقتصادي في لبنان.

تأتي الاندفاعة التي تتمثل بمواقف بكركي والمختارة، على خلفية الخوف على النموذج الآخر الزاحف في لبنان. وقد عدد جنبلاط الانهيارات المتوالية التي تصيب لبنان وتصيب قطاعاته الحيوية، وآخرها مرفأ بيروت. وهو لا يفصل ما جرى عن مسؤولية الحكومة التي تمعن في التدمير الممنهج لكل القطاعات، وخصوصاً من بوابة الخطة الإصلاحية المالية والاقتصادية التي تقدمت بها، وكأنها تستهدف تدمير كل شيء، لإعادة إنتاج تركيبة جديدة.

انقسام ما بعد اغتيال الحريري
يشبه موقف جنبلاط، إلى حدّ بعيد، موقفه بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يومها قاد ثورة، واليوم يحاول أن يطرح هواجس، ويقود معركة جديدة. وما قاله اليوم يشبه إلى حدّ بعيد استثنائيته، عندما أعلن ذات يوم أن الاتهام باغتيال الحريري لا يطال النظام السوري فقط، ملمّحاً إلى حزب الله.

كان موقفه حينذاك من خارج السياق والتوقعات. شطر من الأسئلة الكثيرة التي طرحها اليوم حول حقيقة الانفجار الذي تعرض له مرفأ بيروت، يُفترض أن ينقل النقاش من مكان إلى آخر.

وهو نقاش تداعياته واسعة سياسياً، ويفترض أن تتسع أكثر في ظل الانقسام الذي بدأ يظهر: مواقف سياسية تطالب بالتحقيق الدولي، وهي تصدر عن القوى التي كانت تنضوي تحت راية قوى 14 آذار سابقاً، وتضم جنبلاط، تيار المستقبل، القوات اللبنانية، الكتائب اللبنانية، رؤساء الحكومة السابقين، وقوى مستقلة أخرى. وهذا في مواجهة الحكومة ورئيس الجمهورية وحزب الله من خلفهما، رافضين أي تحقيق دولي في ما جرى. إنه انقسام في حال استمراره، وعدم حصول أي تدخل دولي للجم تداعيات ما يجري، فإن المزيد من الانهيارات تنتظر لبنان وسط حروب سياسية وغير سياسية كثيرة ستتفجر أكثر فأكثر.

منير الربيع-المدن