الراعي: لاستقالة الحكومة برمتها

داعيا للاستعانة بتحقيق دولي.. الراعي: لاستقالة الحكومة برمتها ولانتخابات نيابية مبكرة

 

أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن انفجار مرفأ بيروت هو كارثة هزت دول العالم. وقال إن من حق هذه الدول، إذ تمد لبنان بالمساعدات السخية والمحبة، أن تعرف اسبابها الغامضة، والمرجعية المحفوظة لها منذ ست سنوات هذه الكمية الهائلة من المواد المتفجرة في أخطر مكان من العاصمة، والغاية من وجودها.

وشدد في عظة قداس الأحد أنها جريمة موصوفة ضد الإنسانية. ومن الواجب الاستعانة بتحقيق دولي لكشف حقائقها كاملة وإعلانها، مع وجوب محاسبة كل مسؤول عن هذه المجزرة والنكبة مهما علا شأنه. ولفت إلى أنه على الرغم من هول الكارثة، شعرنا بيد الله الخفية التي نجت المئات من الموت وعشرات الألوف من الأذى.

ووجه الراعي تحيةً من القلب إلى المؤسسات والجمعيات والروابط الانسانية والاجتماعية والأهلية والكشفية والرسولية والخاصة والى شباننا وشاباتنا اللبنانيين الذين أتوا بيروت من مختلف المناطق وتطوعوا بسخاء لمساعدة العائلات المنكوبة والجرحى، ولتنظيف الشوارع.

وأكد أن هؤلاء هم شباب “الثورة” الحضارية ومستقبل لبنان الواعد، قائلاً: “مِن أمثالهم نريد قيادات جديدةً ومسؤولين جددًا يتحلون بروح التفاني والتضحية والعطاء. ونحيي بطولة وتضحيات الجيش اللبناني والقوى الامنية وعناصر الصليب الاحمر وفرق الاطفاء والانقاذ وعناصر الدفاع المدني، ونعزيهم بضحاياهم، ونصلي لشفاء جرحاهم”.

كما وجه البطريرك تحية عرفان جميل وشكر لجميع الدول شرقًا وغربًا الذين سارعوا وأرسلوا مساعدات متنوعة، ولتلك التي قطعت وعودًا بمساعدات. وقال: “عظيم هذا التضامن الإنساني الكبير، الذي عبرت به هذه الدول عن حقيقة مفهوم التضامن الذي يعطينا الشعور “بأننا كلنا مسؤولون عن كلنا”. بهذا التضامن لم ترفع الحصار عن السلطة الحاكمة، بل عن الشعب اللبناني المنكوب. ونوجه تحيةً بنوية إلى قداسة البابا فرنسيس مع شكره على صلاته والنداء الذي وجهه إلى الأسرة الدولية لمساعدة أهل بيروت، كما نشكر مجامع الكرسي الرسولي والكرادلة والبطاركة والأساقفة ومطارنة أبرشياتنا في بلدان الانتشار، ورؤساء المجالس الأسقفية في مختلف بلدان العالم الذين أرسلوا الينا رسائل تضامن مع الشعب اللبناني وأهل بيروت والصلاة من أجلهم”.

ووجه أيضًا عاطفة شكر وتقدير للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على الساعات المليئة بالعاطفة التي قضاها في بيروت بعد يوم من وقوع الانفجار، وقد سبقته طائرات المساعدات من بلاده، معتبرًا أن زيارته التفقدية للمرفأ ولشارع الجميزة عزت أبناء بيروت واللبنانيين وشجعتهم. ووضعت المسؤولين السياسيين أمام خطورة مسؤولياتهم وحجم تقصيرهم ونتائج مكابرتهم.

واعتبر أنه بهذه الزيارة شارك اللبنانيين إرادتهم في إنقاذ لبنان وحدد مساحة الدور الدولي. وبها جدد ميثاق الصداقة اللبنانية ـــ الفرنسية الذي يعود إلى ألفِ عام. وهي صداقة بدأت مع الموارنة اولاً فمع المسيحيين ثم مع سائر اللبنانيين. وميزتها أنها تؤمِن بكيانِ لبنان ووحدتِه، وبالشراكة المسيحية الإسلامية في ظل دولة حيادية، حرة، مستقلة، وسيدةِ خِيارِها وقرارِها الوطني.

كما شكر الرئيس الفرنسي وامين عام منظمة الامم المتحدة على دعوتهما إلى مؤتمر دولي يعقد ظهر اليوم الاحد لنجدة لبنان والمساهمة في إعادة إعمار بيروت ومدارسها ومستشفياتها. ما يؤكد على تصميم أصدقاءِ لبنان في العالم على مساعدته للخروج من أزمتِه الوطنية. وهذا هو مضمون النداءِ المثلث الذي أطلقناه في الخامس من تموز الماضي أي: رفع الحصار عن الشرعية، ونجدة الدول الصديقة، وإعلان حياد لبنان. إن التغيير، مهما كان عمقه، يجب أن ينطلِق من نظامِنا الديمقراطي ومن دستورنا ومن ميثاقنا الوطني ومن الثوابت اللبنانية التاريخية.

واعتبر الراعي أن لقاء ماكرون مع الشعب المجروح بالعمق في شارع الجميزة دعوة للسلطة كي تصغي إلى صوت الشعب و”الثورة”، وإلى نداءات المجتمع الدولي المتكررة: مِن الدول الكبرى إلى الإتحاد الأوروبي، ومن الأممِ المتحدة وجامعة الدول العربية، إلى المؤسسات النقدية العالمية، التي حثت المسؤولين، حكمًا وحكومةً ومجلسًا نيابيا، على سماعِ صوتِ الشعب، وتغييرِ الأداء، وإجراءِ الإصلاحات، ومكافحةِ الفساد، وتوحيدِ السلاح، والحيادِ عن الصراعات، واحترامِ القراراتِ الدولية، وإشراكِ الأجيالِ الجديدة في حكمِ البلاد وتحضير مستقبلها. لكن كل نداءات العالم، بعد نداءات الشعب، ذهبت سدًى فتفاقمت الأوضاع واستشرى الفساد وعمت المحاصصة وتناثرت مؤسسات الدولة أشلاء كزجاج بيروت.

وتحدث الراعي عن التحركات في العاصمة أمس قائلاً إن “ما شهدناه بالأمس من تحركات شعبية غاضبة يؤكد نفاذ صبر الشعب اللبناني المقهور والمذلول، ويدل على التصميم في التغيير إلى الافضل. ولكن في الوقت عينه نبدي حزننا وأسفنا لسقوط شهيد من قوى الأمن الداخلي نسأل لنفسه الراحة السماوية، وعدد كبير من الجرحى في صفوف القوى الأمنية والثوار نصلي من اجل شفائهم.

ونسأل: ألا يستوجب كل هذا، مضافًا إلى كارثة بيروت ومأساة أهلها، قرارات جريئةً في دولة ديمقراطية تعيد النظر في التشكيلة الحاكمة وطريقة حكمِها؟ فلا تكفي استقالة نائب مِن هنا ووزير من هناك، بل يجب، تحسسًا مع مشاعر اللبنانيين وللمسؤولية الجسيمة، الوصول إلى استقالة الحكومة برمتها إذ باتت عاجزةً عن النهوض بالبلاد، وإلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، بدلاً مِن مجلس بات عاطلاً عن عمله.

وقال الراعي: إننا نؤمن إيمانًا وطيدًا أن لبنان سيقوم كدولة إلى نظام جديد هو “نظام الحياد الناشط” الذي، ما إن أطلقنا فكرته في الخامس من تموز الماضي، حتى هبت عارمةً موجة التأييد. لا لأنه فكرة جديدة، بل لأنه من صميم الكيان اللبناني ومسيرة دامت خمسين سنة، قبل أن تبدأ بالتدهور مع الحرب اللبنانية التي استبيحت فيها ومعها أرضه وسيادته من مختلف الجهات. مِن شأن هذا “الحياد” أن يحقق الاستقرار، ويؤمن خير جميع اللبنانيين، ويعيد وحدة العائلة اللبنانية بكل مكوناتها وجمال تنوعِها.

ورأى أن عالمنا بحاجة إلى توبة بكل أبعادها: توبة إلى الله بالعودة إلى رسومه ووصاياه، وبعبادته وحده من دون أي صنم شريك، أشخصًا كان، أم مالاً، أم سلطةً، أم حزبًا، أم سلاحًا، أم إيديولوجية، وبالإصغاء إلى اعتراض الضمير. توبة إلى الذات بالعودة إلى واجب الحالة والوظيفة والمسؤولية؛ توبة إلى الوطن بالولاء له وحده من دون خيانة، والتضحية في سبيل المحافظة على كيانه ووجهه السياسي، وتنمية قدراته، وحفظ ماله العام ونموه، وإحياء علاقاته المثمرة والبناءة مع مختلف الدول؛ توبة إلى المواطنين بتأمين خيرهم العام وحقوقهم الأساسية وعيشهم الكريم، في جو من الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني والمعيشي؛ توبة إلى الدستور والميثاق ووثيقة الوفاق الوطني، بحفظها وتطبيقها نصا وروحًا، وبالكف عن مخالفتها واستنباط عادات وتقاليد منافية لجوهرها من أجل مصالح شخصية وفئوية، وباحترام فصل السلطات التشريعية والإجرائية، وبحماية استقلالية القضاء، وبالكف عن التدخل السياسي في الإدارات العامة.