الانتقام للشهداء بتعليق المشانق!


في ثوان، استحالت بيروت ومحيطها دمارا وأنقاضا، وتحوّل أهلها واللبنانيون، شهداء، أمواتا كانوا ام أحياء. في لحظات، اختفت مدينة عن بكرة أبيها، عن الخريطة، واختفت آمال شعب بأكمله بالحاضر قبل المستقبل.
قد يكون الانفجار “الهيروشيمي” الذي عصف بلبنان أمس ناجما عن نيترات امونيوم او عن نيترات سوديوم، لا فرق.

قد يكون ناتجا عن عملية تلحيم او عن اعتداء صاروخي اسرائيلي، أيضا لا يهمّ.

فهذه تفاصيل واهية وسخيفة بالنسبة الى اللبنانيين الذين لحق بهم الموت الى سياراتهم ومنازلهم ومكاتبهم.
ما قتلهم امس هو إهمال الدولة من رأس هرمها الى القاعدة. الجاني عليهم ومَن يحمل على أيديه الدماء التي سالت منهم حتى صبغت شوارع العاصمة وأرصفتَها بالاحمر، هم مَن يمسكون بزمام قيادة البلاد ومؤسساتها وأجهزتها، كلّهم.
الجزّار الذي حوّل شابات وشبابا وأطفالا وعجزة أمس، في لحظات، الى شهداء وضحايا، والذي سوّى ما بقي من أمل في قلوبهم، وأبوابَ رزقهم المغمّس اصلا بالذلّ والمرض، مَن سوّاها أرضا، هو تقاعس وتقصير المسؤولين اللامسؤولين…

فإن كان مَن لم يعرف كيف يكون مؤتمنا على “القليل”- لا يعلم ان ثمة مواد كيماوية قاتلة موضّبة بالاطنان في مرفأ بيروت، فهي مصيبة. وإن كان هؤلاء يعلمون – وهم يعلمون وفق ما أكدت المعطيات الامنية والصحافية والسياسية المتوافرة في الساعات الـ24 الماضية – فالمصيبة أكبر.
هم لم يحرّكوا ساكنا بعد ان عرفوا بوجود متفجّرات قادرة على تدمير بلد بأكمله، موجودة في عنبر، تحوطه شركات وطرقات وبيوت ومدارس ومقاه ومطاعم! أهو جهلهم لمفاعيلها؟

ام استلشاقهم؟

أم هو رضوخهم لجهة ما، طلبت منهم الاحتفاظ بالمادة التي يمكن ان تفيده عسكريا؟

لا جواب!
سريعا، عقدت الدولة واركانها اجتماعات امنية وسياسية، وأعلنت حال طوارئ تستمر اسبوعين في البلد المنكوب، وطالبت بالتحقيق في الحادث. لكن الناس لم تعد تعر هؤلاء اي أهمية ولا تستمع الى ما يقولون ويطلبون ويفعلون. بعد فشلهم وعجزهم سياسيا ومعيشيا واقتصاديا وصحيا واجتماعيا، والذي ثار ضده الشعب منذ أشهر، سقط هؤلاء بالضربة القاضية امس، بعد ان تجاوز استهتارهم وجهلهم كلّ حدود، وتحوّل زلزالا قاتلا للمئات، ومشوّها للآلاف، ومدمّرا لعاصمة وبلد ووطن.
الركام سيُرفع والحجر سيبنى من جديد، خاصة بعد ان هبّ العالم بأسره لنجدة بيروت، التي أحبّوا أكثر من بعض حاملي الجنسية اللبنانية. لكن، بعد لملمة الجراح ودفن الضحايا، وكي يرقد هؤلاء بسلام، المطلوب هوان ينتقم اللبنانيون لهم. هم ليسوا في وارد الاستقالة على ما يبدو، وقد يضحّون بكبش محرقة ويحمّلونه مسؤولية ما جرى. لكن لا.

هذه المرة، اللبنانيون لن يسكتوا والا أتاهم زلزال مشابه بعد أشهر قليلة. هذه المرة،يجب ان يتحوّلوا هم الزلزال، فيثأرون لأنفسهم وجراحهم وموتاهم.. هذه المرّة، فليكن العقاب بحجم الجريمة ولتعلّق المشانق في الساحات، إكراما لكل موظّف او إطفائي او مسعف او ممرّض او شاب، سار امس بالابيض، من مدينة كانت تسمّى بستّ الدنيا، الى دنيا الحق والخلود.