هل تبقى حكومة دياب “شاهد ما شافش حاجة “على أحداث الجنوب بين إسرائيل وحزب الله؟

قد تكون التعزيزات العسكرية الإسرائيلية على الحدود مع لبنان هي الأكبر منذ حرب تموز/يوليو 2006 تحسّباً لأي عمل عسكري قد يقوم به حزب الله رداً على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت محيط مطار دمشق وأودت بحياة أحد عناصر الحزب. وإذا كان حزب الله توعّد في بيان إثر آخر عملية ملتبسة في مزارع شبعا بأن الرد آت حتماً، فإن أي عملية للحزب في الظرف الراهن حيث لبنان على شفير الهاوية، وفي ظل طرح الحياد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والمواقف السياسية المؤيّدة، ستضع الحزب في موقع حرج جداً، لن تنفع معه مقولة “لو كنت أعلم” التي سبق وأطلقها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله عقب العملية النوعية التي نفّذتها المقاومة الإسلامية حينها، وردّت عليها إسرائيل بحرب عدوانية استمرت 33 يوماً. فالمسؤولون الإسرائيليون لا يخفون تهديداتهم تجاه لبنان وحكومته، ويتحيّنون الفرصة للانقضاض على حزب الله وتدمير لبنان كما هدّد أكثر من مسؤول إسرائيلي.

ولكن ما هو موقف الحكومة اللبنانية مما يجري على الساحة الجنوبية ومن تفرّد حزب الله بقرار السلم والحرب، وكيف تردّ على الاتهامات حول غيابها غير المفهوم ونأيها بالنفس عن تحدّيات بهذا الحجم من الخطورة والأهمية؟

تقول نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر لـ “القدس العربي” إن “الحكومة اللبنانية لم تكن غائبة بل دانت الإعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، واعتبرت ذلك تھديداً لمناخ الاستقرار في جنوب لبنان خصوصاً أن مجلس الأمن سيبحث قريباً بتجديد مھام قوات اليونيفيل، كما أن وزير الخارجية قد وجّه رسالة الى الأمم المتحدة بھذا الشأن”.

وتسأل “القدس العربي” الوزيرة عكر: بصفتك وزيرة دفاع ھل أصبح الدفاع عن لبنان اختصاصاً عسكرياً وسياسياً لفئة من اللبنانيين كما ذكرت كتلة المستقبل؟ فتجيب “بالتأكيد لا، إن الدفاع عن لبنان يبقى من مھمات الجيش اللبناني الذي ھو على جھوزية عالية وعلى أتمّ الاستعداد للدفاع عن لبنان وأمنه واستقراره، وقد أثبت ذلك أكثر من مرّة لا سيما في حرب تموز ضد العدو الإسرائيلي وفي معركة فجر الجرود ضد الإرھاب. لكن العدو الإسرائيلي ينتھك سيادة لبنان يومياً ويرتكب آلاف الخروقات وھذا الأمر غير مقبول ويجب إدانته، لكن في كل البيانات الوزارية للحكومات السابقة ولحكومتنا أيضاً فإن البند المتعلق بمقاومة العدو يؤكد أننا لن نألوا جھداً ولن نوفّر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقّى من أراض لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدو لمّا يزل يطمع بأرضنا ومياھنا وثروتنا الطبيعيّة، والتأكيد على الحق للمواطنات وللمواطنين اللّبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة. كما تلتزم الحكومة الالتفاف حول الجيش والمؤسسات الأمنية في مكافحة الإرھاب وشبكات التجسّس الإسرائيلية”.

*وأي استعدادات لدى الحكومة اللبنانية لمواجھة أي عدوان إسرائيلي وكيف تردّين على التھديدات الإسرائيلية بدفن حزب الله تحت أنقاض لبنان؟

**كما ذكرت الجيش اللبناني على أتمّ الاستعداد للدفاع عن لبنان وأرضه وشعبه.

*وهل ھناك ضمانات بالتمديد لليونيفيل من دون تعديل مھامھا كما تريد واشنطن؟

** ليس ھناك أي ضمانات في موضوع التمديد لليونيفيل، ولكننا نأمل تمديد عمل القوات الدولية من دون تعديل لولايتھا وقواعد الاشتباك الخاصة بھا وفرض تطبيق القرار 1701. وكما أكد رئيس الحكومة حسان دياب، إن استمرار عمل قوات اليونيفيل ضرورة لمنع التوتّر ولاستدراك أي خطر عند الحدود وھو حاجة دولية قبل أن يكون مطلباً لبنانياً.

في المقابل، يبدو كلام الحكومة غير مقنع لفرقاء المعارضة الذين يقولون إن الحكومة غابت عن السمع طيلة اليوم الذي شهد فيه الجنوب عملية اتّسمت بالغموض بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا، ولم يظهر على الشاشة سوى الحزب وتصريحات إسرائيلية وتصريح السفير الإيراني في لبنان محمد جلال فيروزنيا، ولم تستفق الحكومة من غيبوبتها إلا في اليوم التالي حيث قرّرت تقديم شكوى الى الأمم المتحدة احتجاجاً على الاعتداء الإسرائيلي.

وفي رأي خصوم الحكومة أن الإدانة العلنية من العهد والحكومة للاعتداء الإسرائيلي وعدم التلفّظ بأي كلمة عن حزب الله والقرار 1701 أظهرت نوعاً من الغطاء للحزب وتخلّياً عن مسؤوليات الدولة في الدفاع عن أرضها ولاسيما على عتبة عيد الجيش اللبناني الذي يبلغ عديده حوالي 60 ألف عسكري، ويمكنه وحده تولّي مسؤوليات حفظ الأمن في الجنوب والدفاع عن السيادة اللبنانية بدل التنازل عن هذه المهمة السيادية لفريق حزبي، لا يحظى سلاحه برضى غالبية اللبنانيين، ويرون فيه تهديداً دائماً للاستقرار ومانعاً للازدهار والنهوض الاقتصادي ومهرّباً للاستثمارات ومخرّباً للعلاقات بالدول العربية والغربية.

هذا الأداء من قبل السلطة الحالية وعدم تفعيل دور الجيش جنوباً يستحضر النظرية التي كانت سائدة في زمن الوصاية السورية على لبنان، بأن إرسال الجيش الى الجنوب سيكون هدفه حماية حدود إسرائيل.أما وقد تمّ تعزيز حضور الجيش في الجنوب بعد الانسحاب السوري من لبنان وبعد حرب تموز 2006 فبدلاً من أن يلعب الجيش وحيداً الدور المنوط به ويمارس سلطته كما يفعل في بقية المناطق اللبنانية حيث لا نفوذ لحزب الله، فإن السلطة السياسية تضبط هذا الدور مثلما تضبط عمل القوات الدولية وترفض توسيع مهامها، كل ذلك بهدف الإبقاء على السلاح غير الشرعي خلافاً لما ينص عليه القرار 1701.

ومن المعروف أن هذا الالتصاق بين الدولة وحزب الله يعرّض الدولة ككل للاستهداف الإسرائيلي، ويحمّلها مسؤولية عدم احترام تنفيذ القرارات الدولية في الجنوب وعدم السماح بأي وجود مسلّح جنوب نهر الليطاني، ويقدّم الذرائع للولايات المتحدة الأمريكية لعدم التجديد لقوات اليونيفيل أو في أفضل الأحوال للتشدّد في طلبها تعديل مهام القوات الدولية وتوسيعها لجهة منحها حرية التفتيش في القرى والبلدات وإقامة الحواجز.

ولعلّ التعليق المعبّر للحكومة عن دقة الوضع في الجنوب جاء على لسان الرئيس حسّان دياب الذي تخوّف من إنزلاق الأمور نحو الأسوأ في ظل التوتّر الشديد، لكن فهم دياب لمسبّبات التوتّر تتعارض مع فهم فرقاء المعارضة لها. فالمعارضة ترى تسليماً لزمام الأمور من قبل الحكومة إلى جهات حزبية، وكأن الدفاع عن لبنان بات اختصاصاً لفئة من اللبنانيين، ما يزيد من حالة الاهتراء والانهيار غير المسبوقة التي يمرّ بها البلد.

ويرى قطب في المعارضة “لا جدال في أن إسرائيل عدو وتتحيّن الفرص للاعتداء على لبنان، ولكن إذا كان حزب الله يعتبر أن سلاحه هو لحماية لبنان فلماذا ينوي الردّ على ضربة إسرائيلية تمّت في سوريا من لبنان؟ فليردّ من سوريا. وإذا كان يعتبر أن سوريا ليست أرضه فلماذا ذهب للقتال في القصير والقلمون والجولان وغيرها من المناطق والبلدان؟”.

سعد الياس-القدس