لبنان المنهار مسرحاً وحيداً للحرب الإيرانية

لا يزال التوتر في الجنوب قائماً. حزب الله على استنفاره وجهوزيته تحسباً. والإسرائيليون مستمرون في تحشيداتهم العسكرية ورفع جهوزية القبة الحديد.

التوتر مستمر
ليس بالضرورة أن يتطور ذلك إلى حرب. لكنه لا يلغي إمكان حصول مناوشات. والمعطيات تفيد أن “حفلة” التوتر ومسرحه مستمران. فإسرائيل لن تتوقف عن توجيه الضربات ضد أهداف إيرانية ولحزب الله في سوريا. ويبقى السؤال قائماً: كيف يردّ الحزب؟ وإسرائيل هل هي جاهزة لتوجيه ضربات داخل لبنان؟

كلام كثير، تناقضات مثيرة، وتهديدات، ورسائل متبادلة على نحو غير مباشر.
وسط هذه الأجواء لا بد من انتظار تقرير اليونيفيل الرسمي حول ما حدث بعد ظهر يوم الإثنين 27 تموز. وحسب المعلومات أطلعت إسرائيل قوات اليونيفيل على فيديوهات توضح حقيقة ما حصل.
بعد تقرير اليونيفيل، لا بد من أن يحصل تطور ما، قد يكون سياسياً على صعيد التصرف الدولي، أو أمنياً وعسكرياً على الحدود الجنوبية.

الثأر والمسرح
حزب الله كان يهم بتنفيذ عملية عسكرية، لكنه فشل في تنفيذها، فنفى ذلك. وقال إنه عازم على الثأر لقتيله في سوريا.
ولا يمكن الحسم بعد ما إذا كان سيثأر على طريقة مشابهة لضربة أفيفيم، والتي اعتبر الإسرائيليون أنه جرى التفاهم عليها بشكل غير مباشر، ووضعت مجسمات داخل إحدى الآليات. لكن الأكيد أن الضغط الأميركي والإسرائيلي لن يتوقف.

إيران تفقد المبادرة
وفي النطاق الأوسع من التضخيم الإعلامي والمسرحي لما يتوعد به حزب الله، تبدو إيران في وضع من يفتقد المبادرة في الرد على العمليات الأميركية والإسرائيلية في سوريا وداخل حدودها. ويبدو أنها لا تريد الدخول في ردود عسكرية قد تستتبع رداً داخل أراضيها. وهي لم ترد على الضربات التي حصلت أصلاً داخل الأراضي الإيرانية. والمشهد الأوسع يظهر أن الأميركيين قالوا للإيرانيين منذ أشهر مديدة، إنهم لن يسمحوا لهم بتصدير النفط. فرد الإيرانيون بأنهم سيمنعون السعودية من تصدير نفطها أيضاً. وفي هذا السياق حصلت تفجيرات واستهدافات لناقلات النفط وأنابيب أرامكو.

لكن الضربات الإيرانية هذه توقفت بنتيجة ضغوط دولية على إيران، ليستمر منعها من تصدير النفط. وهي تستميت في بحثها عن مخرج ما يمكنها من استعادة بعض التوازن، وقد يكون لبنان مسرحاً لذلك.

وحصلت ضربات داخل إيران وداخل سوريا على مواقع إيرانية، وحصل اعتداء إسرائيلي على لبنان على الحدود الجنوبية وفي منطقة نفوذ حزب الله. فكيف سيكون الردّ الإيراني؟

لا شك في أن واشنطن مصرة على تكثيف ضغوطها على إيران، من الخطوط البرية إلى آخر شريان حيوي، وهو الخطّ الجوي بين طهران وبيروت. لقد أصبحت الطائرات الإيرانية تحت الخطر، بعد ما جرى الأسبوع الماضي.

الضربات على إيران تتراكم، وهذا يعني أن ردودها المحتملة تتراكم في المقابل: ما يجري في سوريا، وحادثة طائرة ماهان، والضربات داخل إيران، وما جرى مؤخراً على الحدود اللبنانية.

لبنان مسرحاً إيرانياً
تتضارب المعطيات في شأن حقيقة الموقف الإسرائيلي. البعض يعتبر أن إسرائيل لا تريد الحرب، والبعض الآخر يقول إنها قد تستغل الوضع القائم لتنفيذ ضربة قوية. هي حاولت تقديم مخرج للحزب في ما حصل الإثنين. لكن إيران والحزب رفضا العرض على ما يبدو، فجاوبت إسرائيل بأنها لن تقبل بأي عملية ثانية، وإلا قد تضرب البنى التحتية اللبنانية.

حزب الله ألزم نفسه بردّ ثان: هل سيكون مشابهاً لما حصل سابقاً، أم ضربة فعلية، جدية وقوية؟ وهذا يعني أن إسرائيل سترد بضربة قوية، قد تتحول إلى معركة، وليس بالضرورة أن تتحول إلى حرب.

لكن هناك من يقول إن إيران تتجه إلى تغيير قواعد الاشتباك: الرد من لبنان على ضربها في سوريا، وعلى ضربها داخل أراضيها. لكن حزب الله لم يرد على اغتيال قاسم سليماني من لبنان. وها هو يقول إنه سيرد من الجنوب على مقتل عنصر عادي منه في سوريا.
والهدف من ذلك هو تخفيف الضغط الذي تتعرض له إيران في داخلها وفي سوريا. وهذا ستترتب عليه أمور كثيرة في لبنان المنهار والمنهك.

أميركا حاضرة
وللتذكير، بالتزامن مع كل هذا، وكما يحدث منذ آب 2007، جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستمرار لمدة عام واحد في “حالة الطوارئ الوطنية في ما يتعلق بلبنان المُعلنة في الأمر التنفيذي رقم 13441، للتعامل مع التهديد غير العادي والاستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية بسبب أفعال أشخاص معينين لتقويض حكومة لبنان الشرعية والمنتخبة ديموقراطياً أو المؤسسات الديموقراطية؛ المساهمة في الانهيار المتعمد لسيادة القانون في لبنان، بما في ذلك من خلال العنف والترهيب بدوافع سياسية؛ إعادة تأكيد السيطرة السورية أو المساهمة في التدخل السوري في لبنان؛ أو التعدي على السيادة اللبنانية أو تقويضها. تساهم هذه الأفعال في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في ذلك البلد وفي المنطقة”.

وتصف “حالة الطوارئ” هذه “الأنشطة المستمرة، مثل استمرار عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله” – والتي تشمل أنظمة أسلحة متطورة بشكل متزايد – تعمل على تقويض السيادة اللبنانية، والمساهمة في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، وتستمر في تشكيل تهديد غير عادي واستثنائي للأمن الوطني والسياسة الخارجية للولايات المتحدة. لهذا السبب، يجب أن تستمر حالة الطوارئ الوطنية المعلنة في 1 آب 2007، والتدابير المعتمدة في ذلك التاريخ للتعامل مع تلك الحالة الطارئة الى ما بعد 1 آب 2020″.
وفي آخر آب، علينا أن ننتظر أيضاً، كيف سيكون “التجديد” لقوات اليونيفيل.

منير الربيع-المدن