على اللبنانيين الاختيار بين هذين الطرحين


يقف لبنان على مفترق طرق مفصلي. البلد الصغير المتهالك الذي فقد في الواقع كل مقومات البلد او الدولة – من أبسطها كالطرق والمواصلات والكهرباء والماء والدواء، الى أخطرها، كبسط سلطتها على أراضيها وحصر قرار الحرب والسلم بيدها وتحديد موقعها الاستراتيجي – امام دربَين لا ثالث لهما. الاول سيقوده الى الخلاص، أما الثاني، فسيقضي عليه نهائيا.
المشهد شبيه الى حد كبير بذلك الذي ارتسم عام 2005، غداة الانسحاب السوري من لبنان. حينها، كان لبنان امام فرصة تاريخية لإنقاذ نفسه واعادة وضع قطاره على سكة الدول السيّدة المستقلة السائرة على طريق الازدهار والنمو الاقتصادي، مستفيدة من حسن علاقاتها مع اشقائها وجيرانها ومن موقعها الجغرافي الفريد ونموذجها الاقتصادي الذي يجعلها جاذبة للسياح والاستثمارات. الا ان هذه الفرصة الذهبية ضاعت بعد ان خرجت دمشق مسلّمة المشعل لايران عبر حزب الله، الذي ومنذ تظاهرة “شكرا سوريا” في 8 آذار 2005 الشهيرة، قرر الانطلاق في ورشة نقل لبنان سياسة وقرارا الى الحضن الايراني، حتى حقق مشروعه في شكل تام اليوم، حيث بات ممسكا بمقاليد البلاد كلها من بعبدا الى البرلمان مرورا بالسراي.
الرهان على عودة “الحزب” الى الحضن اللبناني، فشل اذا. والضاحية لم تكتف فقط بالانخراط في القتال في الميادين العربية وبشن الحروب السياسية والاعلامية ضد القيادات العربية والخليجية، بل وقررت اليوم جرّ لبنان بكامله نحو محور الممانعة.
وكي لا يسقط لبنان دونما مقاومة في هذا “الفخ” القاتل حتما، قررت بكركي التصرّف. قرارها ليس غريبا، فهي عرّابة هذا الكيان ولولاها لما كان لبنان الذي نعرف اليوم. في مئوية انشاء لبنان الكبير على يد البطريرك الياس الحويك، يطرح الصرح اليوم طريقا ثانيا: تحييد لبنان، “العودة الى ما جاء في مقدّمة الدستور”، كما قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من جديد اليوم، يرفع الاخير لواء “إحياء مقولة لا شرق لا غرب” جوهر الميثاق الوطني، يقترح ابعاد لبنان عن الاحلاف العسكرية التي انخرط فيها وحمايته من أطماع جيرانه.
على اللبنانيين الاختيار بين هذين الطرحين. حزب الله، يقف من خلف الستارة، على رأس مَن يعملون لإحباط طرح بكركي كونه ينافس ما يطرحه، وهو وإن لم يتكلّم بعد في الملف، الا انه يبدو مرتاحا الى حلفائه الذين تولوّا عملية تطويق ما يقترحه الصّرح، بإصرارهم مثلا على ضرورة تأمين إجماع وطني حول الحياد، علما ان هؤلاء لا يمانعون – وللمفارقة – تفرّد الحزب بقرارات كبرى في البلاد!
الكباش الخفيّ بين الحياد وبين سياسة خطف لبنان الى محور غريب عنه، انطلق. اذا انتصر الاول، انتصر لبنان بطبيعة الحال، فهل يمكن لأحد ان ينكر ذلك؟ اما اذا فاز الثاني، فعلى لبنان واقتصاده وصورته التقليدية على كل الصعد، وموقعه التاريخي كجسر بين الحضارات، السلام. نعم، اللعبة اليوم، بهذا الحجم. فأي طريق من الاثنين سيسلك لبنان؟ الجواب ستحدده عزيمة مناصري كلّ من الطرحين، وقدرتهم على التحمّل وعدم الاستسلام او التراجع في معركتهما، وصاحب الصبر الاقوى والنَفَس الاطول، سينتصر…