المطران مظلوم: هناك فريق يعتبر نفسه غالباً وعنده فائض قوة ويعتبر أنه يستطيع أن يأخذ معه لبنان كلّه إلى تيار معين


عندما تسأل “النهار” النائب البطريركيّ العام المطران سمير مظلوم عن المكان الذي يمكن أن يصل إليه صوت مبادرة الحياد وأبعاد الطرح وأسبابه، يقول “إنّها ليست المرة الأولى التي نتحدّث فيها عن الحياد الذي يشكّل جزءاً أساسيّاً من النظام اللبناني المبنيّ على الحياد والاستقلالية عن الأزمات من أيّ جهة أتت، ذلك أنّه ليس المطلوب الانحياز إلى الشرق أو الغرب أو الدخول في الخلافات والتيارات، وهذه هي فلسفة الميثاق الوطني من أجل تأمين العيش المشترك وحرية اللبنانيين ليأخذوا قراراتهم”، مذكِّراً بأن “سمة الحياد وعدم الانحياز قائمة منذ أن اكتسب جبل لبنان طابعاً خاصّاً. وقد عُرِفت هذه السمة على أيّام المعنيين والشهابيين، وهي كلّها حلقات لم يكن جبل لبنان ينحاز فيها إلى فريق ضدّ آخر. أمّا لماذا طرح الحياد اليوم؟، فذلك لأنّنا وصلنا في لبنان إلى وضع ابتعد فيه عن هذا المبدأ، وقد خرجنا على الميثاق الوطني والدستور المبنيّ على الحياد في ظلّ شرخٍ عميق بين فريقين. ولم يعد هناك إمكان للتّفاهم على القضايا الوطنية والعيش المشترك. هذا ما يجعل الدولة معرّضة لأن يسيطر عليها فريق من الأفرقاء فتبتعد عن الميثاق الوطني”.
يرى مظلوم أن “المخرج من الكارثة لا يزال موجوداً عبر العودة إلى جوهر بناء الدولة من خلال التفاهم مجدّداً”، متسائلاً: “كيف يمكن العيش سويّاً إذا كان فريقٌ يدّعي الغلبة على الفرقاء الآخرين؟”؛ ويشدّد على أنه “عندما صار هناك ابتعاد عن جوهر الميثاق، تثبّت الانشقاق ضمن المجتمع اللبناني. ولا بدّ من الارتفاع عن الغرق في اليوميات والجلوس سويّاً من أجل معالجة هذه الأمراض القاتلة في النظام اللبناني”.
يأسف المطران مظلوم للانشقاق القويّ بين اللبنانيين في قوله إن “هناك فريق يعتبر نفسه غالباً وعنده فائض قوة ويعتبر أنه يستطيع أن يأخذ معه لبنان كلّه إلى تيار معين”. وردّاً على سؤال عن الحياد ومدى ارتباطه بحصريّة السلاح، يجيب: “هذا سؤالٌ جوهريّ. في كلّ بلد وخصوصاً في لبنان، إذا أردنا العيش في وطن متنوّع لا بدّ من التفاهم على أيّ دولة نريد بناءها. ومن شروط بناء الدولة الأساسية أن تحتكر السلاح والسياسة الخارجية والقرارات الوطنية، وليس أن يأخذ فريق أو حزب القرارات عن الدولة”، مضيفاً: “هل نريد العيش معاً بحقوق وواجبات متساوية؟ هذا لا يمكن حلّه بكبسة زرّ بل من خلال التفكير بالحوار”.
في الحديث عن المئوية، يقول: “نخاف على هذا اللّبنان الذي بني خلال مئة سنة بحسناته وسيئاته وبعد كلّ الاختبارات التي عشناها ونعيشها. فهل سنُكمل سويا؟ أم نتقسّم ونفترق؟”، مؤكّداً أن “ردود الفعل من أكثرية الناس تؤيد مبادرة بكركي وترى في الحياد مخرجاً من الأزمة”. وعن الخطوات المرتقبة في تفعيل الطرح، يشدّد على أن “المبادرة طُرحت وستتابع بجميع الوسائل القانونية والسياسية والديبلوماسية المتاحة لإقناع كلّ اللبنانيين بأحقية الحلّ، وربما نصل إلى دعم من الدول الخارجية والأمم المتحدة”، مشيراً إلى أن “لا قرار حتى الآن بجولة خارجية ولا مواعيد محدّدة مع أي دولة”. وعن إمكان عقد طاولة حوار وطني، يرى المطران مظلوم أن “غبطة البطريرك الراعي ينادي بالحوار. المفروض أن هذا الاقتراح وضع بعهدة فخامة رئيس الجمهورية، والطرف المخوّل أن يدعو إلى حوار هو الدولة اللبنانية. فإذا رأى فخامة الرئيس بأن الحوار ضروريّ وممكن وإذا دعيت الكنيسة ستحضر”.
وفي ما يخصّ رأي الرئاسة الأولى بالمبادرة، يؤكّد أن “من الأجوبة التي وردتنا أن فخامة الرئيس مع مبدأ الحياد ومؤيد له ويعتبر أنه يحتاج إلى تفاهم وهذا ما ندعو إليه نحن أيضا. الوضع الذي وصلنا إليه لا يحتمل والشعب يجوع ويحتاج إلى معالجة في العمق. فلماذا لا نتساوى بالبناء والازدهار بدلاً من أن نتساوى بالفقر والعوز؟”. وعن أجواء زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الصرح البطريركي، يكشف مظلوم: “لم يحصل نقاش معمّق مع الوزير الفرنسي حول موضوع الحياد، لكن لدى الوزير رأيه وفرنسا عندها رأيها، وفي تفكير الوزير لودريان، والتلميحات التي أشار اليها، هي الربط بين السيادة والحياد، على أساس أن تكون الدولة سيدة على كل ترابها وأن تكون محايدة”. وفي الخلاصة: “إذا لم تكن الدولة محايدة لا تستطيع أن تستمر. الحياد شرط كي تستطيع الدولة استرجاع سيادتها”.